أسباب الصراع … ما لم يبح به البرهان و حميدتي

0 58

مجاهد بشري

لأربع سنوات ظللت اقرأ قانون القوات المسلحة 2007م و مواده الـ193, و أقارنه بقانون الدعم السريع 2017م و مواده الـ25.

اتعبت معي اصدقائي القانونيين في حملة محمومة للبحث عن تفسير لما قام به البرهان في 30 يوليو 2019م, عندما الغى المادة 5 من قانون الدعم السريع, و انهى تبعيتها للقوات المسلحة دون سند قانوني او دستوري.

و النتيجة الحاسمة التي وصلت إليها هي؛ أن الأمر قد تم بعلم ورضا البرهان ودقلو , عندما كانت الأمور بينهما على مايرام, في سبيل دعم حميدتي للبرهان للوصول إلى السلطة عبر اتفاق مسبق, و الثمن هو تحرير حميدتي من قبضة القوات المُسلحة.

و أن اختيار المادة (5) لم يكن اعتباطا, فوفقا للمتغيرات في ذلك الحين, فإن توقيع الوثيقة الدستورية سيعني أن رئيس الوزراء المدني سيُحدد مصير دقلو و قواته, و أن مجلس السيادة سيكون له رأي في تعيين قائد لهذه القوة.

انكشاف استناد البرهان على الكيزان , و رغبته في التخلص من دقلو, كانت هي بذرة الشقاق بين الرجلين في الربع الأول من 2021م, خاصة بعد تعودهما على السلطة , وتمددهما في الملفات الخارجية للدولة, و اكتشافهما لحقيقة السلطة و السطوة و القوة التي تأتي معها المكانة القيادية التي يتقلدانها.

ومع اقتراب نهاية فترة تولي العسكريين لرئاسة السيادي, و تعالي الاصوات لتكوين المجلس التشريعي, و محاولات المدنيين للتوحد, كانت كلها اجراسا للخطر , تقرع فوق رأسي البرهان و دقلو, و استطاع الأول اقناع نائبه بضرورة التخلص من المدنيين قبل ان تقوى شوكتهم, و محاسبتهما على كل ما اقترفاه من جرائم , دون أن يعلم حميدتي بأنها عملية استدراج من البرهان و سادته.

عقب الانقلاب اتضحت الصورة تماما أمام قائد الدعم السريع “بالتجربة” , فالانقلاب الذي شارك فيه ,لم يكن ضد المدنيين فقط حتى ينجو من المحاسبة ؛ بل كان ضده ايضا, لأن الانقلاب سمح بإعادة فلول النظام المُباد, و تركه في اكثر المواقف تعقيدا.

دقلو الذي اكتسب عداء الشعب السوداني و كل قوى الثورة بجدارة, وجد نفسه وحيدا , فشركاء الانقلاب من عسكر و حركات مُسلحة, كُلهم اصطفّوا مع النظام البائد و المخابرات المصرية ضده, فكان اول ما قام به هو الهروب إلى دارفور ليكون بعيدا عن أي تهديدات محتملة.

و لم يعُد إلا بعد سماعه بنبأ خروج الجيش من العملية السياسية في يوليو من العام الماضي , مُصرحا بأنه لن يكون هنالك حلا او اتفاقا لا يشتمل على وجوده.

و عقب اعلان القوى السياسية المُنقلب عليها عن عمليتها السياسية, كان دقلو أول المرحبين بها لأسباب بسيطة..

دقلو الذي لا يمتلك أي حلفاء , لذلك نصحته جهات من وراء البحار بأن الحل الوحيد لإخراجه من عزلته,و القضاء على التهديدات المُحيطة به هو أن يُهاجم الانقلاب الذي هو احد أضلاعه لتحقيق الأهداف الآتية :
– تجريم البرهان, وتجريده من أي شرعية يحاول اضفائها على الانقلاب الذي يصفه بالإجراءات التصحيحية, و بالتالي فتح جبهة صراع و ضغوطات جديدة من المجتمع الدولي ضد قائد الجيش.
– استخدام حقيقة ان الكيزان هم من وراء الانقلاب سيعني سحب بعض المحاور لتأييدها لما يقوم به قائد الجيش, لأن ذلك يعني ان خطر الاسلاميين داخل المؤسسة العسكرية مازال قائما.
-الموافقة على الدمج داخل الجيش مع وضع شروط لتنقيته من العناصر المؤدلجة, مما يعكس صورة له أمام المجتمع الدولي بأنه لا يقف عائقا امام التحول المدني الديمقراطي, بل البرهان هو من يفعل ذلك بإطالته لأمد الانقلاب.
– محاولة كسب ود السياسيين و قوى الثورة بإعلانه عن حماية الحراك و المدنيين من البطش, مع تصعيد لهجته و كشف مساوئ الانقلاب .

وقد نجح دقلو إلى حد ما في ضرب قائده ضربات تكتيكية سمحت له بالتمدد أكثر , و فرض واقعا مغايرا خلال التفاوض في عملية الاصلاح الأمني و العسكري لصالحه , مستقلا الاتفاق الإطاري.

في المقابل فإن فريق المخابرات المصري الذي يُدير المشهد للبرهان, اقنع الأخير بضرورة تكرار موافقته على الاتفاق الاطاري , و التوقيع عليه , ليتمكن من افساد خطط نائبه .

وقد اعتمدت المخابرات المصرية على عنصرين في مواجهة دقلو ..

العنصر الأول عنصر الخطاب المتكرر للبرهان و تأكيده على دعمه للإطاري لتخفيض الضغط الدولي عليه , مع دفع البرهان لتحذير الاسلاميين بالذات من التدخل في شأن الجيش , حتى ينفي عنه تهمة اصطفافه مع النظام البائد ,في رسالة إلى المحاور التي اصبحت في الجانب الآخر.

العنصر الثاني هو ربط قضية دمج الدعم السريع بدعم الجيش للاتفاق الاطاري, فهذا الربط سيمنح البرهان المقدرة على تسويق نفسه داخل المؤسسة العسكرية التي اصبحت تبغضه لضعفه , و تصوير نفسه على أنه الحريص على وحدة و تماسك الجيش من التفكيك الذي يضمره المدنيون “حسب زعمه”, على الرغم من تناقض هذا مع كل افعال البرهان التي سمحت لهذه المليشيا بالتمدد خارج المنظومة العسكرية, و جعلها موازية للجيش, بل و شرعن من وجودها بانقلاب الـ25 من اكتوبر, و لم يُطالب هو أو الجيش طيلة الأربع سنوات الماضية بتوحيد الجيش و دمج الدعم السريع فيه, بل كان المدنيين هم الوحيدين الذين ظلوا يطالبون بدمج الدعم السريع و جيوش الحركات في المنظومة الامنية و العسكرية و توحيد الجيش بجميع مستوياته.

ما لم تحسب المخابرات المصريه حسابه أن عناصر خُطتها كشفت عن عدم رغبة البرهان في الخروج من المشهد,بمحاولته فرض تبعية الدعم السريع له عندما يخرج كقائد عام للجيش , في مخالفة واضحة للمادة 6-1 من قانون الدعم السريع, و اساسيات عملية الاصلاح مقترنة بعدد من المخالفات لقانون القوات المسلحة , وقانون معاشات القوات المسلحة لسنة 1974م .

وهذا امر يفتح الباب امام تأويلات من شاكلة أن البرهان يسعى لاستخدام الإطاري للسيطرة على الدعم السريع, و الانقضاض بعد ذلك على حكومة المدنيين كما فعل السيسي شمالا, وهو تأويل للأسف يصب في مصلحة زعيم مليشيا الدعم السريع, بسبب اندفاع البرهان و عدم وجود تخطيط مدروس للتعامل مع قضية الدعم السريع داخل المؤسسة العسكرية .

و المُحصّلة هي أن البرهان وحميدتي يستخدمان الاتفاق الإطاري لتحقيق مصالح تعزز من حظوظهما في الوصول إلى السلطة كيفما اتفق .

و يستعملانه للقضاء على أحدهما الآخر .

و أمام الضغوط الخارجية و الشعبية , وحتى لا يُتهمان بعرقلة العملية السياسية , فإن الخروج منها بأعلى مكسب يقتضي استعمال التصعيد السياسي و العسكري الذي ترونه أمامكم اليوم.

و ما لا يستطيع قائدا الانقلاب البوح به هو أنهما اول من سيذهب إذا اندلعت الحرب, ولن يكون ذهابا سلميا..

وما لن يبوح به البرهان هو عدم رغبته في دمج الدعم السريع في الجيش على الرغم من أن قانون المليشيا كله وُضع للسيطرة عليها, و السبب أن بقاء البرهان في السلطة حاليا يعتمد على وجود سبب او هدف يستغله للاستمرار في الحكم.

و ما لن يبوح به دقلو , انه و البرهان يعلمان ذلك.

لذا رغم الخلاف الحقيقي , و المتصاعد , فإن البرهان و دقلو لن يطلقا رصاصة واحدة تجاه بعضهما البعض, وليس امامهما سوى تحقيق بعض المكاسب من الاتفاق الإطاري..
و شراء بعض من الوقت , للبقاء في مباراة انطلقت صافرة نهايتها منذ البداية..
بينما ينقسم الشعب بين متفرج عليها ينتظر الفائز فيها لملاقاته , و آخر يشجع على تحويلها لمجزرة جديدة وحرب, في أشد ايام الله حرمة..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.