أنجز المخرج السوداني أمجد أبو العلاء عام 2004 النص المسرحي “فطائر التفاح” بداية عمله بهذه المهنة، وبعدها بسنوات قرأه صديقه كاتب السيناريو أحمد الحمادي، ورأى أنه نص جيد يمكنه المنافسة على الجوائز، لم يقتنع أبو العلاء بالأمر، واعتبرها مجاملة صديق ليس أكثر، خصوصا وأن ذلك النص هو أحد إنتاجاته المبكرة، لكن رفض أبو العلاء لم يثن صديقه الذي قام بإرسال النص إلى الهيئة العربية للمسرح عام 2012 ليتفاجأ أبو العلاء بفوزه بالجائزة الرسمية.
لعبت الصدفة مجددا دورا هاما في مسيرة أبو العلاء، حيث كان يقوم بالتحضير لأول فيلم روائي طويل، من خلال سيناريو أصلي كتبه للسينما مباشرة، وفي تلك الأثناء قرر زيارة السودان، واصطحب معه قصة حمور زيادة “النوم عند قدمي الجبل” لتمضية الوقت بالطائرة، لكن بمجرد الانتهاء من القصة كانت قد استحوذت عليه تماما، وقرر تغيير عمله الأول من السيناريو الخاص به إلى سيناريو جديد قائم على قصة زيادة، كتبه رفقة صديقه إبراهيم يوسف، ونهاية المطاف وبعد ثلاث سنوات من عملية تطوير مستمرة للسيناريو، ظهر “ستموت في العشرين” أخيرا بمهرجان فينيسيا.
فاز أبو العلاء بجائزة “أسد المستقبل” في مهرجان فينيسيا السينمائي (غيتي)
مستقبل مشرق
وقف المخرج أمير كوستاريكا على مسرح مهرجان فينيسيا، ليقول إن أكثر ما دفعه لقبول ترؤس لجنة التحكيم في المسابقة أنه جزء من الماضي والفائز أيا كان اسمه يمثل المستقبل، لذا وبطريقة ما عليه أن يكون جزءا من هذه اللحظة، الجميل أن ذلك المستقبل الذي قبل لأجله كوستاريكا المشاركة في لجنة التحكيم كان مستقبلا عربيا.
أعلن كوستاريكا فوز الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” للمخرج أبو العلاء بجائزة “أسد المستقبل” والذي تقدم بخطوات واثقة نحو المسرح، خطى عدة خطوات قبل أن يعود للخلف ليأخذ بيد سمراء ترتدي الزي السوداني المميز ويصطحبها معه إلى المسرح، على الأرجح هذه السيدة إحدى منتجات الفيلم.
“أنا حقا أشعر بالفخر والسعادة، لأن هذه هي اللحظة التي كنت أتطلع إليها عبر التلفاز منذ عشرين عاما، لكني لم أتيقن أبدا من قدرتي على الوصول إلى هنا، لأنني من بلد لا تمتلك صناعة سينمائية، ونظام لم يرغب في دعم السينما، وأنا أتحدث بصيغة الماضي لأننا قمنا للتو بعمل ثورة وطرد ذلك النظام، وأنا فخور بذلك” وأكد أبو العلاء أنه يثق في قدرة الحكومة الحالية على تغيير الأوضاع للأفضل.
”
نصنع السينما أحيانًا بهدف التغلب على مخاوفنا
أبو العلاء
”
بين الذاتي والاجتماعي
أصر أبو العلاء في فيلمه الروائي الأول على العودة للسودان للتصوير بمواقع حية، يقول على الرغم من كون الفيلم مستندا إلى قصة قصيرة للكاتب حمور زيادة، فإنه استدعى جميع الأماكن من ذاكرته وطفولته بالسودان “كنت مهتمًا للغاية أن يكون فيلمي الطويل الأول مستندًا لذاكرتي الشخصية”.
لم يتوقف أبو العلاء عند استعارة الأماكن فقط من ذاكرته، إلا أنه مد الشخصيتين الرئيستين بالفيلم مزمل وسليمان من حياته الشخصية، يحكي أنه على الرغم من اختلاف طفولته عن طفولة مزمل، فإنه أضاف بعض الأحداث التي مر بها إلى الشخصية، ففوبيا المياه كمثال حالة حقيقية يعاني منها المخرج نفسه.
كذلك شخصية سليمان، يحكي أنه اضطر إلى حذف بعض مشاهدها المكتوبة ثم المصورة لأنه شعر أن صوته الخاص مسيطر على الشخصية، وهو فضل منحها صوتا مستقلا خاصا بها، حتى لو أصبحت أكثر تطرفا منه على حد قوله.
استعار أبو العلاء أيضا واحدة من أجمل لحظات الفيلم من حياته الواقعية، عندما عاد خاله من السعودية حاملا أداة عرض سينمائية “بروجكتور” وكانت المرة الأولى التي يخرج فيها شعاع الضوء من الآلة لتنعكس الصورة، هذه لحظة السحر التي ربما أثرت على المسيرة المهنية لأبو العلاء، الطريف أن خاله نجح فقط في تشغيل الصورة لكنه فشل في تشغيل الصوت، لذا عندما يعرض أبو العلاء لقطات فيلم باب الحديد والخرطوم داخل فيلمه يعرضهما بدون صوت، وكأنها نوع من تخليد اللحظة التي قادته نهاية المطاف إلى هنا.
هذا الموقف يلخص رؤية أبو العلاء للسينما بشكل عام، فهي مراوحة بين العام والخاص، الذاتي والاجتماعي، لذا كافأه القدر أن يكون أول أيام تصوير فيلمه هو أول أيام الثورة السودانية في ديسمبر/كانون الأول الماضي “وكأنها مصادفة لجمع شتات ذلك الوطن معا” لينهي الفيلم بعد خلاص السودان من نظام لطالما وقف حجر عثرة أمام تطور صناعة السينما ولطالما كرهه أبو العلاء لذات السبب.