أطفال السجون
كتب: طلحة جبريل
.
أحاول قدر الإمكان التعامل بحرص مع رسائل “البريد الإليكتروني”،لكن الركض بين المدن والقفز من قطار إلى آخر لا يتيح في كثير من الأحيان المتابعة الدؤوبة.
تلقيت منذ فترة رسالتين، الأولى من جامعة في ولاية كونيتيكت ( Southern Connecticut state university) عن مسألة مهنية تهمني كثيراً، وهي قواعد جديدة لكتابة الأخبار، خاصة الأخبار التي تدخل في إطار الصحافة الاستقصائية.الرسالة الثانية عن تفاصيل تجربة باحثة في سجن للنساء في إحدى دول المنطقة (في فمي ماء) كنت قد قرأت شيئاً عن هذه التجربة من قبل، فطلبت من صديقة أن تزودني بالدراسة كاملة، وكان ذلك.
بعد أن قرأت تفاصيل تجربة الباحثة وضعت رسالة جامعة كونيتيكت جانباً، إذ بدا لي الكتابة عن تلك التجربة أكثر أهمية.
ركزت الباحثة دراستها عن أطفال يوجدون مع أمهاتهم داخل السجن، ومعظمهم يتعذر عليهن تركهم خارجه.جرائم الأمهات لها علاقة بترويج الخمور، والدعارة والعنف و التهريب والسرقة.
تقول الباحثة إن الأطفال يقضون أوقاتهم خلال أيام الصيف في البحث عن لفحة هواء وفي الشتاء عن الدفء، أو مطاردة الذباب والفراشات، وليس لهم طعام أو شراب أو ملابس، هدهم الجوع والمرض، دون علاج أو رعاية.
روت الباحثة قصة امرأة اصطحبت معها إلى السجن ثلاثة من أطفالها. قالت إن هذه الأم اضطرت إلى النزوح بسبب الجفاف من قريتها الى أطراف إحدى المدن .
كان عدد أطفالها أربعة، وفي رحلة النزوح كانت تجر خلفها ثلاثة من أطفالها، وتحمل فوق رأسها بعض الملابس ، في حين حملت طفلها الرضيع على ظهرها. خلال رحلة النزوح القاسية توفي عدد كبير من الأطفال والنساء بسبب الجوع والعطش . كانت الأم بين الفينة الأخرى تتحسس طفلها الرضيع على ظهرها، لكن يبدو أن مشاق الرحلة، جعلتها تغض الطرف عنه فترة من الوقت، لتكتشف أن الرضيع قد سقط دون أن تنتبه لذلك، وأجبرها النازحون على مواصلة الرحلة دون طفلها الرضيع، لذلك عندما دخلت السجن اصطحبت أطفالها معها حتى لا تفقدهم.
ترى ماذا يقول القانون في حالة هؤلاء الأطفال، الذين دخلوا السجن دون جرائم، المؤكد أن مسؤوليتهم تقع على المجتمع الذي يفترض أن يرعاهم .المنطق والحق، يقول إن الطفل لا يعاقب لأن أمه ارتكبت جريمة قادتها إلى السجن.
الوضع السليم أن يتكفل المجتمع بمثل هذه الحالات، عبر نقل كفالتهم إلى أمهات بديلات، وتوفير الرعاية والعلاج والتعليم لهم، وإلا تحول هؤلاء الأطفال تلقائياً إلى”مشروع مجرمين” في المستقبل، وبذلك تكون الأمور قد اختلطت اِخْتِلَاطًا كبيراً، ويصبح السجن مكاناً لتفريخ مشاكل تستعصي على الحل.