أعطني سكة حديد.. وأتركني..!!
(ولا ينبئك مثل خبير)..! عندما يتحدث عميد السكك الحديدية ومديرها أيام (كان السودان سودان) وقبل أن يهل علينا الانكشاريون عَبَدة الدرهم والدينار الذين جاءوا بنية تدمير السودان وسرقة موارده فوجدوا أن الوسيلة الأقصر هي تدمير وتشليع السكة حديد.. وكان لهم ما أرادوا..! ويتعجّب الباشمهندس هاشم محمد احمد من أن ينعقد المؤتمر الاقتصادي وينفض دون أن يكون بين أجندته سطر واحد عن السكة حديد…كيف يستقيم الاقتصاد في بلد مثل السودان بدون السكة حديد وهي شريان الحياة وأداة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعنوان تماسك الأقاليم وتآلف التنوع السوداني والتساكن الحميم..والناقل الأمين للناس والصادر والوارد والسلع السائلة والجامدة والأبقار والضان والماعز واللحوم والشحوم والأعلاف والمياه والقطن والصمغ والقمح والفتريتة والسنمكة والجملكة..! كما أن من ميزات السكة حديد أنها خدمات مترابطة وصناعة متكاملة وهي من أكبر المُشغلين للعمالة والمُعينين على التوظيف والتدريب داخل الورش والمصانع؛ فهي التي تقوم بالصيانة والتركيب والتوليف والتشغيل وفيها ما فيها من كهرباء وحدادة وبرادة وسمكرة وخراطة ودريسة ومحولجية وتذكرجية ومفتشين وعطشجية ومهندسين ومحطات وإشارات وقضبان ومسابك وأوكسجين ولحام وبلاط وفلنكات وحجوزات وتلفونات وشبكة اتصالات.. وقد كان يتبع لها ميناء بورتسودان ومصلحة النقل النهري والفنادق والمرطبات ومصانع الطوب الآلي بل حتى الخطوط الجوية السودانية..! وكانت تعمل في مجال مقاولات البناء وتشييد المدارس ولها وشائج بالصناعة والتجارة والزراعة والمحاصيل والنولون والسياحة والغذاء والإغاثة والبترول والاستثمار.. وكانت تدخل في مشروعات إقليمية واسعة حتى أشادت بها المجوعة الاقتصادية الأوروبية وذاع صيتها بين العالمين.. وهي فوق ذلك وقبل ذلك (بقرة حلوب) إذا تم الصرف عليها في التأسيس؛ فهي الناقل الرخيص الذي لا يستنزف الوقود كما تفعل اللواري والشاحنات التجارية.. وهي المرفق صاحب (التسعيرة الرحيمة) الذي لا يعرف التوقف حينما تتدفق الأمطار والسيول وتتحوّل بعض أجزاء السودان إلى مناطق مقفولة..! السكة حديد هي القلب النابض في أي خطة تنموية في بلاد مثل السودان تفصل بين مناطقها سباسب وبيد وقفار يسير فيها الراكب يومين من غير أن يرى بشراً أو يصل إلي حيث يريد.. ولا سبيل إلى تجاوز هذه الحواجز الجغرافية من الجفيل إلى بابنوسة إلى محمد قول إلى حلفا دغيم وأم دافوق وزالنجي والفاشر إلا عبر صوت القاطرة الذي يثير الأنس في الصحاري أو عندما يجوس بين الأدغال وينسرب بين الحلّال بطقطقة صوت عجلاته الذي ألهم عبد اللطيف الحاوي بموسيقي (سال من شعرها الذهب) كما حرّك أشجان الوجدان السوداني بعشرات الأغاني البديعة.. وهاشم محمد احمد فوق أنه من خبراء السكة حديد العالميين المعدودين وأنه من المناضلين ذوي الشكيمة ضد عهد الإنقاذ الأغبر.. فهو من المتولِّهين بحُب السكة حديد (لله في لله) وليس من باب الوظيفة..اذكر انه في إحدى زياراته للسودان أصرّ وألحّ أن نذهب معه لنعبر كبري بحري على أرجلنا حتى يرى ما اعترى قضبان القطار داخل الكبري.. وأخذ يتوقّف هنا وهناك وهو ينكت بيده آثار الالتواء في بعض الٌقضبان ويتمتم بأسى بالغ حزناً على ما ران عليها من إهمال..ولك أن تتخيّل أن مثل هؤلاء المؤهلين في صنعتهم المُحبين لوطنهم يُطردون من وظائفهم على أيادي (رسل العناية) من شاكلة غندور والجاز وعلي عثمان وإبراهيم احمد عمر ومأمون حميدة وزير الصحة بولاية الزيتونة…!