أغنياء الحرب !
كتب: زهير السراج
* لا ادرى من يخدع حميدتى والكباشى اللذان يرأسان الوفد الرسمي المفاوض في جوبا بالحديث عن قرب التوصل لاتفاق يحقق السلام في السودان، بينما يدور التفاوض مع بضعة أفراد أو مجموعات انتهازية صغيرة لا تمثل إلا نفسها وليس لها أي قواعد شعبية ولم يسمع بها أحد من قبل مثل (مسار الشمال) و(مسار الوسط) ومجموعات عبثية من هذا النوع، وحتى شراذم الجبهة الثورية لا تمثل إلا نفسها وليس لها قواعد شعبية على أرض السودان، بينما تغيب أو (تُغيَّب) أكبر قوتين لهما قواعد شعبية ضخمة وقوات عسكرية تبسط سيطرتها على مناطق واسعة في البلاد وتحظى كل منهما بتأييد دولي واسع !
* يحدث هذا رغم الانتقاد الحاد الذى وجهه رئيس الوزراء في حوار تلفزيوني قبل عشرة أيام لهذه المفاوضات العبثية وما يعرف بالمسارات التي تسعى للحصول على مكاسب شخصية، ولا ادرى لماذا لا يتخذ قرار حاسما بإيقافها وترتيب التفاوض من جديد بقيادة الحكومة التي تخلت لحميدتى عن كل شيء من حملات النظافة وتقديم الطعام للمرضى في اماكن العزل الى رئاسة اللجنة الاقتصادية القومية والاشراف على ملف العلاقات الخارجية والتفاوض مع إثيوبيا حول سد النهضة .. فما الداعي إذن لرئيس حكومة وحكومة تكلفان ميزانية الدولة المرهقة الملايين والتنازل عن واجباتهم للغير؟!
* قلت من قبل وأكرر القول، إن التفاوض مع أفراد لا يمثلون إلا أنفسهم، وليس لهم تأثير أو سند شعبي او حتى تنظيمات سياسية أو عسكرية وهمية دعك من تنظيمات حقيقية معروفة وتوقيع اتفاقيات معهم والتهليل لها، ما هو الا نوع من العبث والمسخرة .. إلا إذا كانت المفاوضات التي تدور في جوبا مجرد مسرحيات هزلية لا يدرى احد ما هو هدفها وماذا يراد منها، وهل السلام الشامل الذى نسعى إليه ونحلم به سيأتي عبرها، أم ماذا هناك ؟!
* فوجئنا في ديسمبر الماضي بتوقيع اتفاق بين السلطة الانتقالية وما أطلق عليها اسم الجبهة الثورية (مسار الوسط)، وهي ليست سوى شخص واحد ظل يتقلب بين الأحزاب والتجمعات والتحالفات والحركات من وقت لآخر، يهجو هذا يوماً ويمدحه في اليوم التالي، ويهاجم السلطة الانتقالية بعنف اليوم ويوقع معها اتفاقاً غداً، وليس له سند شعبي إلا حلقومه الكبير ولا يملك بندقية واحدة، ولا يحتل شبراً واحداً من الدولة السودانية غير المنزل الذي يأويه مثل الثلاثين مليون مواطن الآخرين، فكيف تعطيه السلطة الانتقالية كل هذا الوزن وترهق نفسها بالمفاوضات معه، وتعترف بتمثيله لمنطقة وسط السودان بدون ان يحصل على تفويض شعبي او حتى توقيع مواطن واحد، وتوقع معه اتفاقية تنسبها للسلام المفتري عليه، وتتبادل معه التهاني والقبلات وتملأ الدنيا ضجيجاً وصياحا وكأنها وقعت اتفاقاً مع نابليون بونابرت أو الجنرال مونتجومري قائد قوات الحلفاء في شمال افريقيا في الحرب العالمية الثانية، أو أضعف الإيمان مع عبد العزيز الحلو او عبد الواحد محمد نور !!
* وتوالت المفاجآت في جوبا بتوافد افراد من شرق السودان زعموا أنهم يمثلون الشرق، فتحت لهم السلطة الانتقالية غرف المفاوضات من أوسع أبوابها واخذت تتفاوض معهم، ثم بضعة أفراد من شمال السودان أطلقوا على أنفسهم اسم (مسار الشمال) بدون تفويض أو إذن من احد، ولا يعرف أحد ما هي علاقتهم او علاقة منطقة شمال السودان برمتها بالحرب الأهلية التي تدور في السودان، إلا إذا كان السودان بلدا آخر غير الذي نعيش فيه تسيطر جماعات مسلحة على شماله حتى تسعى السلطة الانتقالية للتفاوض معهم وتسمح لهم بتمثيل هذا الشمال الواسع الذي يمتد من عطبرة وحتى حلايب وشلاتين في أقصى شمال السودان .. كما أننا لم نعرف يوما أن مواطني شمال السودان من المهمشين في الأرض حيث كانوا ولا يزالون يحكمون السودان منذ استقلاله (بل من قبل الاستقلال) وحتى اليوم ؟!
* ورغم كل النداءات التي اطلقها الكثيرون لتصحيح مسار المفاوضات، يتواصل العبث الذى يقوده جنرالات الحرب في مدينة جوبا باسم السلام المفتري عليه بوساطة دولة فاشلة يفرض عليها المجتمع الدولي الكثير من العقوبات بسبب الحرب الشرسة التي تدور على أرضها وبين مواطنيها، ولا يدرى أحد كيف تقود هذا الدولة الفاشلة التي يموت فيها الالاف ويتشرد الملايين مفاوضات سلام وهى نفسها في حاجة الى من يتوسط لها ويفرض على مواطنيها المتحاربين الجلوس للتفاوض على إيقاف الحرب ..
* رغم كل النداءات بتصحيح مسار المفاوضات، يخرج علينا من يحدثنا قبل بضعة أيام بتحديد يوم أمس (20 يونيو، 2020 ) لتوقيع اتفاقية السلام، ثم يخرج من يتحدث عن تعديل الموعد الى اجل غير مسمى، ثم يخرج ثالث متحدثا عن موعد قريب لتوقيع الإتفاق، وكأن التوقيع على حدث ضخم مثل اتفاق السلام مناسبة ختان يُترك تقدير موعدها حسب ظروف الخاتن او المختون او الابوين !!
* بالله عليكم .. هل رأيتم مثل هذا العبث الذي يدور بمعزل عن الاعين والابصار بمشاركة افراد (مجرد أفراد) لم يحصلوا على تفويض من أحد، ولم يسمع بهم أحد من قبل، يزعمون انهم يمثلون مناطق في السودان لم تكن في يوم من الايام مناطق حرب او مجال مساومة او مفاوضات مع أحد مهما كانت تعاني من التهميش مثل غيرها .. يفاوضون السلطة الانتقالية ويدخلون معها في مساومات ويوقعون اتفاقيات سلام، وكأن السلام مسرحية هزلية للفرجة والضحك أو مثل أي مدينة ملاهي يرتادها الاطفال مع ذويهم للترفيه .. إنها ليست مهزلة فقط، ولكنها مسخرة وقلة شغلة، وإهانة للبلاد يجب أن يُعاقب عليها الذين يقفون وراءها والذين يسكتون عنها !
* لقد أفرغ جنرالات الحرب والذين تركوا لهم الحبل على القارب مفاوضات السلام من معناها، وأبعدوا عنها عامدين متعمدين حركات النضال صاحبة القاعدة الشعبية الضخمة، واستقطبوا العابثين اللاهين اصحاب المصالح الشخصية وذلك حتى تظل الحرب دائرة في السودان ويستمروا في فرض سيطرتهم والتكسب من خيرات البلد التي يحتكرونها ويسيطرون عليها ويملؤون منها خزائنهم!