إحتكار شراء القمح
كتب د. النور حمد:
تناقلت عدد من الوسائط الإعلامية، أن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أصدر يوم السبت 21 مارس الجاري، قرارًا يقضي بحصر عمليات شراء القمح المحلي، على البنك الزراعي، الحكومي، دون غيره. وورد أن القرار قد أنذر بتوقيع عقوباتٍ، رادعةٍ، على كل من يحاول خرقه. وقد شاع في وسائط التواصل الاجتماعي، نقلاً عن بعض أهالي الجزيرة، أن سماسرةً مُسيَّسين، من كارهي الثورة، حاولوا إغراء مالكي الحاصدات بمبالغ ماليةٍ، كبيرةٍ، نظير أن يحجموا عن عملية الحصد، بغرض إفشال الموسم. كما ورد، أن هناك من يخططون لشراء القمح المنتج محليًا، وتقديم سعرٍ أعلى من السعر التركيزي، المعلن، بغرض إخراج القمح من يد الدولة. وهذا مما يساعد أعداء الثورة، على استدامة أزمة الدقيق، ضمن جهود التآمر المستمرة لإفشال الفترة الانتقالية.
جرب مزارعو الجزيرة قهرًا، وضيمًا إقطاعيًا، لا يحتمل، في سنيِّ حكم الانقاذ الأولى. كان الإسلاميون يأتون بحاصداتهم، محروسةً بأفراد جهاز الأمن المسلحين، ويحصدون قمح المزارعين، ولا يتركونهم يأخذون منه، حتى ما يأكلون، فارضين، عليهم سعرًا، غير مجزٍ، غير مكترثين بجهد المزارع، أو خسارته. فعلى هؤلاء، بالذات، ألا يحدثونا عن اللاعدالة في قرار حمدوك. لكن، مع ذلك، لابد من مناقشة هذا القرار. فلو كانت الحكومة قد دخلت ممولًا للمزارعين، منذ بداية الموسم، لحق لها أن تحتكر الشراء. لكن، بما أن القرار قد صدر، فمن الممكن تلافي آثاره الضارة برفع السعر التركيزي، مثلاً، إلى 4000 جنيه، بدلاً عن 3000. وأن يبقى هذا السعر ثابتًا، لهذا الموسم، حتى لو انخفض السعر، لاحقًا، أثناء موسم الحصاد. لكن، على أن تخطط الدولة لتدخل ممولاً وحيدًا في الموسم القادم. ففي وضعنا الراهن، لابد أن تسيطر الدولة، سيطرةً كاملة، على هذه السلعة الاستراتيجية. وألا تتركها، إطلاقًا، لقوى السوق، وللمضاربات. وألا تتوقف هذه السيطرة، حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي منها.
بقي أن نقول، إن محصول الموسم الشتوي، لا يغطي، وفقًا لبعض التقديرات، أكثر من 17% من حاجة البلاد من الدقيق. وأن البلاد تدفع ملياري دولار أمريكي، سنويًا، لتغطي، عن طريق الاستيراد، الفجوة الهائلة، في هذه السلعة الضرورية. نهاية الأمر، ليس أمامنا من سبيل، سوى التوسع في زراعة القمح، بلا حدود. ولقد قدمت شركة الراجحي السعودية، تجربةً مفيدة لزراعة القمح في شمال السودان. فلماذا لا تدخل الدولة، عبر شراكاتٍ على أسس جديدة، مع القطاع الخاص، أو مع المستثمرين الأجانب، في مشاريع لزراعة القمح، في الإقليم الشمالي، بتقنية الري المحوري؟ ولماذا لا يتجه القطاع الخاص لزراعة القمح بنفسه، بدل أن يعرض نفسه وسيطًا لشرائه من المنتجين، وتخزينه، لتحقيق الربح السهل؟ ختامًا، على “الانقاذيين”، وأذيالهم، من أهل المال، وتجار الغلال الضرورية، أن يصمتوا، ويدعوا السودانيين يرممون ما أتلفوا، وما أكثر ما أتلفه “الانقاذيون”.