إستدعاء عاجل من مصطفي سيد احمد في صبيحة الانقلاب

0 131
كتب: طارق الأمين
.
حين وقع انقلاب العصابه المشئوم في ٣٠ يونيو كنت في عمر الزهور واحمل كل عنفوان الصبا والشباب… كتبت قصيده ساخره قمت فيها بشتم العصابه في ذات مساء الانقلاب.. بعنوان (خشم البقره) يقول مطلعها على ما اذكر:
تنضف شارع وتقفل نادي؟
نضاف الشارع.. ما ملحوق
بدل ماتنضف تحت الكرسي
نضف ياخي الكرسي الفوق
واعرف كرسي السلطه بكون
نضيف لمن مايكون مسروق
تسرق كرسي بتسرق دوله
وتسرق من شحاد في السوق
وجاي تفتش خشم البقره؟
دا حال مايرضي ولا مخلوق
ما إن أطل صباح اليوم التالي السبت الأول من يوليو في ذلك العام البائس الا وذهبت إلى نادي المكتبه القبطيه بالخرطوم نهارا حيث كانت فرقتنا الهيلاهوب على موعد لتقديم عرض جماهيري في ذلك النهار وكان ضمن المشاركين فيه الفنان مصطفى سيداحمد
صعدت لخشبة المسرح بعنوان تلك اللحظات وغضبها وصرخت بقصيدتي الوليده وسط حماس الجمهور ودهشته فالانقلاب لم تمضي عليه ساعات قلائل… توقفت أنفاس الناس وعم الهدؤ والحذر المكان وشهدت من على المسرح فنان الجماهير مصطفي سيد احمد وهو يتابع قصيدتي باهتمام بالغ مما شجعني على الأداء الهتافي وإشراك جمهور المتابعين في الأداء… وما أن أنهيت فقرتي الا واحاط بي الأصدقاء وهم يترقبون المكان بعيون حذره ثم اقترح على زميل جامعة القاهره دهب إبراهيم دهب أن أغادر مباشرة إلى أي مكان آخر حتى لا أتعرض لأي مضايقات من أنصار الانقلاب فاحاط بي نفر منهم وغادرت الحفل إلى مباني جامعة السودان كلية الفنون… وانا أغادر المكان لحقت بي زميلة الدراسه (سوسن) من حي امتداد الدرجه التالته وهي تهمس في اذني (مصطفى سيداحمد قال عاوزك وقال ليك تجيهو في البيت) انتابني شعور بالسعاده من جراء ذلك وتملكتني غبطة نادره وأشرت لها بموافقتي ثم غادرت مع أصدقائي… كان اليوم طويلا… وتفاعل الجمهور يفعل فعل السحر في وجداني… قضيت الساعات في كلية الفنون الجميله ممتلئا بالفخر والرضا والحماس… وما أن ارخي المساء أولى ستاراته الا وكنت أمام منزل الفنان مصطفى سيد أحمد وقد سرحت بخيالات الصبا في البعيد البعيد
وانا بانتظار مقدمه إلى حيث ولجت… كنت أهمس لنفسي أن الفنان مصطفى سيداحمد قد اعجبته قصيدتي دون شك بل.. لابد انه سيشدو بها في القريب العاجل… أكثر من ذلك انتابني شعور باذخ بأنني ساشكل معه ثنائيه فريده تصدح بالثورة ضد العصابه وتشعل الاغاني سخطا وحماس ضد طاغوت الإخوان المسلمين… قطع حبل أفكاري حضور مصطفى سيداحمد مسرعا حيث كنت اجلس… وقفت وعرفته بنفسي وإنني حضرت تلبية لرغبته في لقائي… صمت برهة.. ثم سألني هل انا من ألقيت قصيدة نهار اليوم في حفل المكتبه القبطيه فرددت عليه والفخر يملأ جوانحي (نعم)
فوجئت بالرجل وقد تغيرت لهجته وأصبح يتحدث بحزم واستنكار :
دا شنو العملتو دا؟
عاوز تصل لي شنو انت؟
دا نظام عسكري.. ح يدوك طلقه بس في رأسك دا… وح نكون فقدنا شاعر.. بس
لازم تخلي الطريقه دي… تحافظ على نفسك عشان تعمل التانيه والتالته.. بس بالطريقه المباشره دي وشتمهم ما ح يخلوك تعمل غيرا
فوجئت بلهجه الرجل الحاسمه وطريقه تفاعله مع الحدث ولم أكن راضيا ولا مستعدا لذلك… استأذنته للمغادره فاعتذر بلطف لكنه ردد على مسامعي.. ماعاوزين نفقد زول من المبدعين… ياريت تراجع نفسك ومانسمع عمل بذات الأسلوب… خرجت مندهشا وكثير الإحباط… ثم مرت سنوات ومياه كثيره تحت الجسور… عرفت بعدها كيف كان يفكر الرجل في حكمته الأبديه.. وكم كان الفرق بيننا شاسعا في النضج والمسئوليه… فاكمل رحلته ومشروعه الإبداعي بذات الوعي والحكمه ووقعنا نحن في أول فخ نصبه لنا جهاز الأمن فتم حظر انشطتنا بجرة قلم بل واختفى للأبد اباذر الغفاري ورحل الشهيد علي فضل بمسمار على رأسه
اللهم ارحم مصطفى سيداحمد… واجعله رمزا للتنبؤ بمألات الحال ومبدعا يستشف الزمان والمكان وينحت الصخر في حروب المستحيل.
.
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.