إستهتار يرقى الى الشروع في الإنتحار
كتب جعفر عباس:
قلبي يتقطع حزنا وغضبا وأنا أرى الملايين من أهلي في السودان يتعاملون مع خطر فيروس كرونا القاتل باستخفاف واستهتار، غير مدركين ان الأمر لا يتعلق ب: هل سيدخل الفيروس بلادنا؟ بل متى سيدخل وماذا نحن فاعلون عندما يدخل؟ فدخول الكرونا بلادنا حتمي وإذا دخلت فإنها لن تخرج ب”أخوي وأخوك” بل ستقضي على أخوي وأخوك وأختك
نحن يا جماعة نجلس في قلب حزام الفقر والايدز والحروب، وكل ما نستطيع فعله كي لا تفتك الكرونا بمئات الآلاف منا في هذه المرحلة، هو أن نلزم بيوتنا قدر المستطاع، وهناك ضرورات المعيشة التي تتطلب خروج الكثيرين منا الى الشارع والسوق يوميا، ولكن ان تمتلئ أسواقنا وشوارعنا بالخلق ليل نهار فهذه مصيبة، لأن التزاحم ينبغي ان يكون ممنوعا حتى داخل البيت الواحد، ونحن شعب معظم أفراده يتشاركون كوز الماء وصحن الطعام
إذا جاءت الكرونا الى بلادنا- وهي قادمة حتما- فسيموت المئات منا إذا واصلنا ما نحن فيه من سبهللية، فسعة غرف العناية المكثفة في عموم بلاد السودان 190 سرير، ثلثاها في المستشفيات الخاصة حيث يكلف السرير 15000 جنيه لليلة الواحدة، ومجموع أجهزة التنفس اللازمة لإنعاش ضحايا الكرونا وأمراض الصدر في بلادنا ليس أكثر من مائتي جهاز، وبالتالي فلو تفشى الفيروس، فلا بديل لطب الحرب الذي يقضي بتجاهل ذوي الحالات “المتأخرة” واسعاف من هناك أمل في إنقاذهم- يعني يتم سحب جهاز التنفس من أمك / أبوك لإعطاء “الفرصة” لشاب عشريني
وإذا كانت حملة منع تسلل الكرونا الى البلاد تتطلب 70 مليون دولار- وأنتم تعرفون البئر وغطاه في بلد خزينته كفؤاد أم موسى- فتيقنوا ان الكرونا ستجعلنا شعبا مهددا بالانقراض عندما تأتي، ولهذا فواجب كل واحد منا ان يلزم بيته قدر المستطاع، وواجب شيوخنا ان يكونوا القدوة وينصحوا مريديهم بذلك عوضا عن تشجيعهم على الاحتشاد بالمئات على إيقاع الطبول
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من أحد – يعني مسلم – يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) رواه البخاري. والكرونا هي طاعون العصر، فكن شهيدا وأنت حي، بدلا من أن تموت “فطيس” بسبب الاستهتار بالتوجيهات الرامية لصون حياة الفرد والجماعة
من يستهتر بصحته في هذه الظروف، ويصاب بسبب ذلك بفيروس الكرونا كمن يشرع في الانتحار، ثم وهو ينقل المرض لغيره يكون مسؤولا أمام الله والمجتمع عن تعريض حياة الجماعة للخطر
كل ما نستطيع ان نفعله في ظروفنا الراهنة هو تحصين النفس من الفيروس بتفادي التجمهر، وبهذا نفعل خيرا بأنفسنا وأهلنا، فليكن كل واحد منا فارسا في حملة التوعية بالمخاطر، فالخطر محدق ومؤكد وقد حل سلفا ب18 دولة أفريقية وتذكر ما يقوله الحكماء: بقاء الشوارع خالية طوال 15 يوم خير من بقاء البيوت خاوية بعد 15 يوم.