إعـــــلان المبـــــادئ وشيطــــــان التفاصيـــــــل!

0 38

كتب: آدْمُ أجْــــــــــــــرَىْ 

.

تفاهم مبدئى قد يحقق إنفراجاً أو تعقبه إنتكاسات، كل شيئ وارد فى هذه الأرض الزلقة، بالإمكان إنجاز إتفاق فى ظرف شهر واحد، أو تمديده لسنوات لحسابات يعرفها أهلها.

مدرسة السودان الجديد منذ نشأتها ظلت تقدم خطابات متماسكة مؤكدة على مواقف لا تراجع عنها، الوحدة الوطنية بشروطها على رأسها، ونتهاز كل سانحة للترحيب الإحتفائى بعناصر الوسط والشمال بمستوى أقرب للتدليل، إظهاراً لوحدة السودانيين الذين يجمعهم المصير، لكن من عيوب السياسة فى هذا البلد أن الخطاب السياسى يظل دائماً مشكوكاً فيه، تكتفى كل فئة بهواجسها تجاه الآخر، تظل ترددها دون أى إجتهاد، السودان الجديد قدم الأستاذ ياسر عرمان مرشحاً له لرئاسة الجمهورية، وثمة خطاب آخر يقول أن هؤلاء الناس سيقدمون يوماً على مداهمتكم فى بيوتكم وذبح أبناءكم، ناسين الحقيقة الأهم وهى أن أى تراجع عن هذا الخطاب سيكون إنتكاسة كبرى تهدم المشروع وتطبع وصمة عار أبدية على جبين أصحابها. يأتى هذا الإعلان تعزيزا للوحدة الوطنية، سانحة أخرى لإجلاء الخطاب وتأكيد نفس المؤكد. لا أى أثر فيه لأى منطقة جغرافية، ذلك أن الأزمة أساساً أزمة الدولة السودانية التى تتجلى بصور مختلفة فى كل إقليم.

المفاوض الحكومى تعامل مع عبارة العلمانية بحساسية بالغة، تماماً مثل معادلة جبرية معقدة محصلتها تساوى واحداً، لكنه دفع عنه كفة الواحد، واستلم الكفة الأخرى بمجاهيلها وجذورها التربيعية والتكعيبية. دخل فى تفاصيل تعريفية دقيقة بالطريقة التى تقطع الطريق أمام أى إجتهادات تسمح للدولة الدينية بالبقاء، أو إقحام مصطلحات –محلية- على شاكلة العلمانية الدينية(!). مع ذلك، ثمة ألغام فى الطريق.

مجرد ملاحظة، غابت سياسات ملكية الأرض وإدارتها، رغم أنه سبق التأكيد فى نيفاشا على ملكية لشعوبها.

إن إتفاق الطرفين على تحقيق سيادة السودان وإستقلاله ووحده أراضيه، يؤكد أن الإضطرار إلى ممارسة حق تقرير المصير لم يكن أصلاً. أدبيات السودان الجديد، تاريخ الصراع، والمواقف خلال المنعطفات الحاسمة يعزز ذلك. المطالبات المتعددة بها كحق لكل السودانيين إنما حالات إضطرارية شرطية. تبرز عند إستحالة الوصول إلى توافق حول علمانية الدولة. حدث ذلك فى حالة جنوب السودان بعد أن تعذر التخلص من الدولة الدينية. وطالما أن هناك توافق ستضيق فرص اللجوء إلى ممارسته دون المساس به كحق قائم، مثل ما جاء فى مواثيق الأمم المتحدة، وإعلان الأيقاد عام 1994م.

إن الإتفاق على تأسيس دولة مدنية غير عسكرية، فدرالية غير مركزية، هويتها هى الدولة ذاتها، دون حصرها فى قيد إحدى مكوناتها – العروبية مثلاً- أو الهويات القبلية والعرقية والدينية -الدولة لا دين لها- غير منحازة لأى فئة، مع إلتزامها بتوفر الحماية لحرية أفرادها فى ممارساتهم العقائدية الثقافية، كان جزءاً من أصل الصراع، أطلق عليه الوحدة الجاذبة، ولو أنها تحققت خلال الفترة: ( 2005 – 2011) أو قبلها، ما كان هناك دافع حقيقى لإستقلال جنوب السودان.

التأكيد الذى تم فى الإعلان، على إتخاذ التدابير اللازمة للإنضمام للمواثيق الدولية، بالمثل يأتى تعزيزاً لعلمانية الدولة، ضمنها دون إقتصار عليها، إتفاقية سيداو الذى سيصادم بشدة الفقرة 2/4 الخاصة بإستناد قوانيين الأحوال الشخصية على الدين والعرف والمعتقدات. هنا ستتشكل ساحة صدام الحركات النسوية مع شيوخ الضلال، ستتمسك الحركات بحقوق المرأة فى الزواج والطلاق وفقاً لمفاهيمها، وفى قسمة الميراث بالتساوى مع الذكور بصيغة (واحد إلى واحد) بدلاً عن (واحد إلى إثنين) وتجريم زواج القاصرات (-18) وغيرهما من الحقوق التى لا تطيقها المجتمعات الشرقية.

هناك من عبر عن قلقه على دمج الجيش الشعبى فى الجيش السودانى على ضوء ما جاء فى الفقرة (3) وهو قلق واسع النطاق. لكن ما يمكن إستنتاجه بتحفظ، أن ثمة قناعة بنيت لدى أصحاب الإعلان، أنه بتنفيذ الإتفاقية التى ستتمخض عنه، تكون غايات تأسيس هذا الجيش قد تحققت ويمكنها الإندماج. وقرآءة أخرى ما بين السطور، تفيد بأن الدستور العلمانى، لا بد من تحقيقه قبل إكتمال دمج الجيوش. وبما أن لغطاً سيثار حول شرعية هذا الدستور، أو أنه لا يمثل الشعب فى ظل عدم إجراء إنتخابات تأتى بممثلين حقيقيين للشعب، أو أنه يمثل الأحزاب والكيانات التى إتفقت عليه، وغيرها من المتاريس، فإن إحتمال اللجوء إلى طرح مسودة الدستور للإستفتاء خلال الفترة الإنتقالية، سيكسبه القوة المطلوبة. وإلى أن يتحقق الإجماع سيبقى دمج الجيوش منقوصاً إنتظاراً لإجازة الدستور.

ورد فى البند (5) أن: ما تم الإتفاق عليه –فى هذا الإعلان- يعتبر ضمن تطوير الوثيقة الدستورية، بعبارة أخرى: بات جزءاً منه، وسيؤدى بنهاية المطاف إلى الإنصباب فى الدستور الدائم، بمعنى أنه ملزم للحكومة الحالية، ما لم يتم التراجع عنه، والعودة إلى محطة: عطاء من لا يملك، لمن لا يستحق.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.