إعلام الأناتى !
كتب: زهير السراج
* هاتفني أمس الاخ رئيس الوزراء (الدكتور عبدالله حمدوك) مشكورا لينقل لي نبأ إقامة أول منتدى صحفي مع رؤساء تحرير الصحف في السابعة من مساء أمس وهو اقتراح قدمته له في لقاء سابق بمكتبه بمقر مجلس الوزراء يتلخص في الاجتماع بشكل دوري مع رؤساء التحرير وقادة الاجهزة الاعلامية وعدد من كتاب الأعمدة للتفاكر حول القضايا المهمة وتبادل وجهات النظر والاستماع للرأي العام عبر قادة الصحف والاستماع لرأى رئيس الوزراء، وعكس ما يدور للمواطن من خلال الأجهزة الصحفية والاعلامية، ولقد وافق مشكورا، وكان اول لقاء مساء أمس مع رؤساء التحرير، واقترحت على رئيس الوزراء أن يكون أحد موضوعات المنتدى دور الاعلام في إعادة الإعمار فوافق مشكورا، ولقد تطرقنا خلال المكالمة للإسفاف الذى تكتظ به القنوات التلفزيونية ، واتفقنا على مواصلة الحوار عند عودتي الى الخرطوم بعد تحسن الاوضاع الصحية، إن شاء الله!
* المراقب لأداء اجهزة الاعلام، خاصة القنوات التلفزيونية يصيبه الإحباط الشديد من تدنى المستوى، لدرجة أن لغة الحوار قد وصلت الى مستوى اطلاق إحدى المغنيات وصف (الإنتاية) على المرأة في برنامج بإحدى القنوات، وسؤال إحدى المذيعات لاحد المطربين الهواة عما إذا كان يستخدم حقن تبييض البشرة وتكرار السؤال عدة مرات وكأن هذه هي القضية الجوهرية التي تهم المواطن السوداني في وقت تحاصره فيه الكورونا والضائقة المعيشية من كل الجهات، وقس على ذلك الأداء في كل القنوات التلفزيونية حتى الرسمية منها التي من المفترض أن تكون أكثر تعلقا بقضايا الجماهير مع الاهتمام بالترفيه الراقي وليس المبتذل كما تفعل البقية!
* لقد انحدر المستوى الى درجة فظيعة لا يمكن وصفها، ففي أي وقت تفتح فيه قناة سودانية ــ ودعوني أستخدم هنا اللغة الدارجة حتى يفهم الجميع ــ في أي وقت تفتح فيه قناة تلفزيونية سودانية تلقى شوية غنايين وغنايات درجة عاشرة ومذيعة قاعدة تتمايل وتتساخف، وفاخورة فاضية وحوار هابط لا قيمة أو معنى له وحذلقة كلامية، وعرض أزياء مبالغ فيه، وأحمر وأخضر وأصفر وأشكال غريبة، كأنك في حفل زواج خاص وليس قناة تلفزيونية يراها الجميع .. بينما تغيب البرامج الهادفة والترفيه الراقي !
* والقصة ليست قصة إمكانيات كما يصورها البعض، وإلا لما نجح التلفزيون السوداني في الماضي خلال فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، عندما كانت الإمكانيات بسيطة جدا، ولم يكن التطور التكنولوجي قد بلغ ما بلغه اليوم، في تقديم برامج هائلة لا يصدق الانسان عندما يعيد مشاهدتها اليوم على اليوتيوب أنها من انتاج التلفزيون السوداني مثل صور شعبية للطيب محمد الطيب، وطبيعة الاشياء لدكتور محمد عبدالله الريح، وفرسان في الميدان لحمدي بدرالدين ومسابقات المدارس لعوض احمد وموضوع يهمك لدكتور حسن عباس صبحى وساعة صفاء لحجاز مدثر والكون ذلك المجهول لأنور احمد عثمان ومشاكل قانونية لكمال شانتير وعلى خفيف لحسبو ورمضانيات للفاضل سعيد وحياتك لدكتور ابو عبيدة المجذوب وغيرهم وغيرهم، برامج مفيدة وخفيفة وجذابة .. فأين ذهب كل هذا وماذا حدث؟!
* القصة تكمن في الاستسهال والعقول الفارغة واحتكار الشاشات للمتحذلقات والمتحذلقين وارباع المواهب ومغنواتية الدرجة العاشرة للاعتداء على أغاني المبدعين الحقيقيين وتشويهها والتكسب منها، وكلمة فارغة هنا، وضحكة بلا حياء هناك، وكم أغنية أو قصة سخيفة وينتهى كل شيء، ليأتي متحذلق أو متحذلقة أخرى لاستعراض مواهبهم في التمايل والحذلقة والميوعة. حيث لا هدف ولا مضمون ولا حتى شكل جميل يعبر عن جمال وتنوع بلادنا !
* لقد كان من المؤمل أن ترتفع أجهزة الاعلام لمستوى الثورة وتطلعات الجماهير وتسهم في إعادة البناء ورفع مستوى الوعى بعد سقوط النظام البائد، ولكنها للأسف ظلت في غيها وضلالها وهبوطها وحذلقتها واستسهالها للدور المنوط بها، واستمرارها في تغييب الوعى واستلاب عقلية المواطن وانتهاج نفس النهج الذى انتهجه النظام البائد لتحويله الى مسخ مشوه وتابع ذليل بلا عقل ولا فكر، لاهم له في الدنيا سوى الاكل والشرب وحمادة سُكر وهنادي ام جضوم!