إعلام يضر بسمعة البلد
كتب: د. النور حمد
سبق أن ذكرت أن من مهام الإعلام تحسين صورة البلاد. فالإعلام الحكومي، شأنه شأن الدبلوماسية في إعلاء سمعة البلد. ومعلوم أن الديموقراطية تسمح بقيام إعلام خاص إلى جانب الإعلام الحكومي. والأمثل هو أن تتخلى الحكومات عن امتلاك أجهزة الإعلام. غير أن ذلك يقتضي تحلِّي الإعلام الخاص بالمهنية والحيادية، التي تجعل الحكومة تتخلى عن امتلاك أجهزة إعلامية، عن طيب خاطر. لكن، حين يكون الإعلام الخاص فاقدًا للمهنية والحيادية، فإن الدولة تجد نفسها مضطرةً إلى امتلاك ذراعٍ إعلاميٍّ خاصٍّ بها. فإذا لم تفعل، أصبحت ضحيةً لإعلام غير محايد، وربما مغرض ومخرب.
من طبيعة هذا المفترق الذي نمر به، أن تكون الأمور مرتبكة. فالبنية الإعلامية الحكومية كانت أهم موقع استهدفه التمكين. وقد وضح الآن، أن هناك مغرضين يعملون بدأب شديد، لهلهلة مجمل صورة الفترة الانتقالية، من داخل البنية الإعلامية؛ الحكومية، وغير الحكومية. لذلك ينبغي على حكومة الفترة الانتقالية أن تولي إصلاح الإعلام الأولوية في أجندتها. بل يمكن القول إن إصلاح الإعلام ينبغي أن يكون على رأس الأوليات. ومن أساسيات هذا الإصلاح، فك قبضة نصراء النظام المدحور عن الأجهزة الإعلامية. ولا ينبغي أن يكون هناك أي تردد، أو مجاملة، في هذا الأمر.
صحب الفترة الانتقالية تراجعٌ لافتٌ في الأداء الإعلامي. وقد شمل ذلك التراجع حتى الجوانب الفنية البسيطة. فعلى سبيل المثال، لم يخرج من وكالة “سونا” تنويرٌ، أو مؤتمرٌ صحفي، لم تكن فيه مشاكل في الصوت، أو الإخراج. ولم يتحدث رئيس الوزراء حديثًا كان فيه صوته نقيًا وواضحًا، كما ينبغي. أما قناة السودان المملوكة للدولة، فقد أصبح الصوت فيها مشكلةً فظيعةً، يضطر معها المشاهد أن يكون ممسكًا بجهاز “الريموت”، طيلة الوقت، ليرفع ويخفض. ولا أعتقد أن هذا الذي يجري أمر عادي، وإنما هناك إرباكٌ متعمد.
الأمر الآخر، أن غالبية القنوات الفضائية السودانية، تعطي من يشاهدها انطباعًا، غاية في الإضرار بصورة البلاد. هذه القنوات غير مستوفية لأبسط المعايير، وكأنَّ من يقفون وراءها، لا يشاهدون ما يبثه الآخرون في الإقليم، وفي العالم. أعتقد أن على الدولة أن تحرص على صورتها في الخارج، مثلما تفعل ذلك عن طريق جهازها الدبلوماسي. وأن تحرص ألا يجري إهدار المال العام في تشويه صورة البلد، وألا تترك الحبل على الغارب، للهواة، وخالي الوفاض من الثقافة العامة، ومن الموهبة، ومن التدريب العلمي، لكي يسرحوا ويمرحوا دون رقيب.
لا أدعو، بطبيعة الحال، إلى تقييد حق إنشاء قنوات فضائية، ولكن أدعو إلى وضع معايير صارمة تتعلق بالفنيات، وبالمحتوى، وبالرسالة. فالتصديق بالبث ينبغي أن يقوم على أسس، وليس على مجرد القدرة على شراء مساحة بث في قمر صناعي. كما يجب ألا ننسى أن الإنقاذ حينما صدقت لهذه القنوات، إنما صدقت بها لمن ائتمنتهم على خدمة خطها، ورسالتها، ومجمل أهدافها المعاكسة لأهداف الشعب، التي لم تكن تحفل بأي معايير.