إنقلاب تحالف الكارتيلات !

0 81

كتب: زهير السراج 

.

* تتحدث الكثير من التقارير المتخصصة عن ان الانقلاب الاخير، لم يكن سوى انقلاب كارتيلات (مجموعات) دفعها الى القيام به حماية مصالحها الخاصة، ومن بين من كتبوا فى هذا الشأن الأستاذ السودانى بجامعة (نيويوك) بروفيسور (بكرى الجاك) الذى تناول بالتحليل فى مقال طويل الكارتيلات السودانية عابرة الحدود التى تقف وراء الانقلاب، أقتطف منه الآتى:

* التعريف المتوافق عليه علميا في العلوم السياسية أن حزب (الكارتيل) السياسي هو الحزب الذي يستخدم كل موارد الدولة لضمان ديمومة وضعية اجتماعية و اقتصادية معينة في اى نظام سياسي، و تعريف الكارتيل اقتصاديا هو المنظومة التي خلقت من مجموعة اتفاقيات رسمية بين مجموعة من المنتجين لسلعة أو خدمة معينة للسيطرة على العرض كوسيلة للسيطرة على الاسعار، ومن منظور آخر فإن الكارتيل يمكن أن يكون أي مجموعة من الشركات أو الدول التي تعمل سويا وكأنها منتِج واحد لسلعة محددة من اجل التحكم في سعر السلعة التي ينتجها لتفادي اي منافسة في السعر. أما في سياق الاقتصاد السياسي فإن سياسة الكارتيلات تعني أن مصدر ودافع القرار السياسي هو مصالح مجموعة من الشركات أو الاجهزة أو العصابات التي تعمل من خلال واجهة لضمان استمرار واستدامة مصالحها.

* فى الغالب ان يكون الصراع السياسي في السودان قد تجاوز حاليا مرحلة تصنيفه في مربع التحالفات القائمة على الايدولوجيا والرؤي والمبادئ، إلى مرحلة سيطرة سياسات الكارتيل على المشهد برمته. المعنى المباشر لهذا التحليل هو أن الانقلاب الذي قاده (البرهان) ليس محض تحالف انقلابي لتصحيح مسار الثورة كما يزعم الانقلابيون، وانما تحالف كارتيلات يسعى إلى السيطرة على النظام السياسي بما يضمن استدامة مصالحه، وعلى سبيل المثال فإن موضوع شركات المنظومات الدفاعية (من بينها جياد وزادنا وسوداتل وسودابست) والتي اشترط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مراجعة عشرة منها بواسطة مراجع قانوني معترف به دوليا لضمان استمرار السودان في برنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون والمعرفة اختصارا بالهيبك HIPC ــ ولقد أكملت الحكومة الانتقالية مراجعة اثنين من هذه الشركات بينما رفضت البقية عملية المراجعة ــ مقرونا بضعف التدفقات النقدية لشركات الصناعات الدفاعية جراء تطبيق سياسة توحيد سعر الصرف هو من الأسباب الخفية للانقلاب، خاصة أن البنك المركزي كان قد رفض بايعاز من رئيس الوزراء توفير خطاب ضمان لهذه الشركات للدخول في عملية استيراد واسعة، ويبدو انه السبب الذى دعا البرهان بعد الانقلاب مباشرة الى وضع يده على كل احتياطات السودان من النقد الاجنبي ووضعها تحت تصرف منظومة الشركات الدفاعية، بالإضافة الى فصل نائب محافظ البنك.

* للمضي قدما بهذا التحليل علينا القبول بأن ما يحرك الصراع السياسي في الوقت الراهن من قبل القوى المعادية للانتقال الديمقراطي ليس بالضرورة معسكر الاسلاميين وتغلغلهم في جهاز الدولة والأجهزة الامنية وإن كان هذا واقعا ملموسا، بل هو تحالف الكارتيلات التي تخشي أن تُفضى أي عملية ديمقراطية إلى مبدأ حق الشعب في معرفة موارده وتحديد كيفية توظيفها وما يتبعه من شفافية ومحاسبة. في هذا السياق فإن إعادة الكيزان إلى جهاز الدولة هو محض عملية استغلال لعدم وجود عمق سياسي واجتماعي لهذا التحالف الانقلابي. عمليا فإن استخدام دولة الكارتيلات كمفهوم تحليلي يعني أن العوامل المحركة لهذا الصراع هي السيطرة على الموارد واستغلالها بواسطة مجموعة صغيرة توظف جهاز الدولة كواجهة لتبرير و تقنين عملياتها التي لا يستفيد منها سوى حفنة من المنتفعين تضع يدها على شركات يفوق عددها ال 250، وتتجاوز عائداتها الاثنين مليار دولا سنويا.

* أما شركات الدعم السريع (أبناء دقلو) التي تعمل في الذهب والثروة الحيوانية وغيرها، فقد وضعت بعض الدول في صدارة الدول المصدرة للذهب بينما لا يوجد بها منجم ذهب واحد، مثلما حولت منظومة الشركات الدفاعية بعض الدول (مثل مصر) مصدرة للحوم التى تستوردها من السودان. و بما أن الكارتيل عادة لا يعمل بمعزل عن عصابات دولية، فيبدو أن كارتيلات الدولة السودانية قد وجدت هواها في احدى الشركات الروسية التي يبدو إنها تدير ملف الحملة الاعلامية الآن في الخرطوم اذا صحت التقارير، وهذا يعني أن دولة الكارتيلات قد بدأت تلعب على التناقضات الدولية.

* خلاصة القول فإن المنظومة العسكرية ليست سوى محض كارتيلات لا يهمها غير مصالحها الشخصية، ولا تتورع عن فعل اى شئ للدفاع عنها بما فى ذلك القتل بدم بارد كما شهدنا فى المظاهرات الرافضة للانقلاب، وقد تتراجع و تعمل في الخفاء إذا كان ذلك هو الوضع الامثل لها، ولقد حان الوقت من اجل العمل على إعلان الدعم السريع كقوة ارهابية ومحاصرة مورادها في كل مكان، بالإضافة الى محاصرة منظومة الصناعات الدفاعية وشركاتها والسيطرة عليها بواسطة القوى المدنية!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.