محمد صالح عبدالله يس
يقال ان الجغرافيا الوسيمة تصنع التاريخ الباذخ فالمدن هي صانعة العبقريات تخرج من ارحامها شخوص وعناوين لمعت علي الانسانية بابهي الاضواء فاصبحوا كالغيث اينما اصاب نفع وحيثما هطل اينع البور البلقع خرج الشيخ ابوبكر من هذه الارض ومن هذه المدينة ( امكدادة ) فقد غلب ماؤه طينه فتدفق نهرا فالتف ذراعه بخصر ها
ولد وسط اسرة انصارية زحفت بخيولها الي امدرمان نصرة للامام المهدي وعادت تحمل معها جراحها وسروج خيولها ورماحها بعد ملحمة كرري فوالده الشيخ محمد عبد القوي من قيادات الثورة المهدية تتدرج في المهدية حتي اصبح احد كبار قادتها شارك في معظم معاركها وكان من المقربين للمهدي ومن اهل مشورته نال ثقة الخليفة بعد رحيل المهدي عاد الي دارفور في العودة المشهورة لقيادات دارفور وكان في الفوج الاول مع السلطان علي دينار الذي ضم كبار قادة المهدية واستقر به المقام في منطقة ارمل فوجة بالقرب من امكدادة
واتجه نحو العلوم الدينية والشرعية درس الفقهه في خلاوي النهود واصبح مرجعا في علم الميراث وكان الناس في شرق دارفور يقصدونه ليفتي لهم في المواريث وكثير من الاحيان تتواصل معه الاسر لحل بعض المعضلات التي تواجه الورثة بل تشهد داره في اوقات كثيرة مجالس المتخاصمين في الميراث فيفتيهم ويقسم بينهم الميراث فيخرجون منه وقد ارتسمت علي وجوههم علامات الرضا والاستحسان
كانت تلك هي المشكاة التي خرج منها الشيخ ابوبكر فقد سلك هو الاخر طريقا يلتمس فيه العلم فدرس علي يدي والده العلوم الشرعية ثم دخل مدرسة الكتاب بمنطقة جبل الحلة وبع اكماله لها انتقل الي خلوة الشيخ ابوه ابراهيم عبد المحمود والد الدكتور ابو عبد المحمود بمنطقة غبيش في دار حمر وتعلم تجويد القران ودرس الفقهه علي مذاهبه الاربعة وحفظ الاربعين حديثا النبوية وحفظ راتب الامام المهدي
بعد اكمال دراسته هاجر الي الجزيرة ابا حيث كان من الملازمين للامام الهادي عليه رضوان الله وكثيرا ما كان يسافر الي دارفور حاملا رسائل الامام الي اهل دارفور ويتفقد حوزات الانصار وقد زار معظم انحاء الاقليم وفي عهد الرئيس نميري كان مطلوبا لاجهزه الامن ودونت ضده بلاغات تصل عقوبتها الي الاعدام فقد كان يقوم بجمع المساهمات من الانصار لمعركة فاصلة بين الانصار والعقيد جعفر نميري الذي حاصر الامام في الجزيرة ابا وحاصرها
كان الشيخ ابوبكر من الذين واجهوا صلف حكومة مايو وشارك مشاركة فاعلة في معارك مارس 1970 ولم يكتب الله له الشهادة فعاد الي دارفور موفدا من الامام لا ستقطاب الدعم والمؤازرة للامام ولكنه اعتقل في النهود قبل ان يصل الي دارفور وظل محبوسا حتي اطلق سراحه بعد عام من الاعتقال
استانف الشيخ ابوكر نشاطه الاقتصادي فرغم مضايقات النظام المايوي لقادة الانصاري الا انه ظل حلقة الوصل بين قيادات الانصار وقواعدهم وقد تم تكليفه بامانة الاتصال بالحزب في اقليم دارفور
بعد سقوط نظام مايو قام الحزب بترشيحه في مدينة امكدادة ورغم انه كان الاوفر حظا للفوز الا انه تنازل للاستاذ احمد سليمان جلاب والذي فاز واصبح نائبا بالبرلمان الاخير الذي انتهي بانقلاب الانقاذ
كان الشيخ ابوبكر كثير الحركة والتسفار تعرف علي معظم قيادات الحزب وكانت تربطه علاقة خاصة مع الامام الصادق فالامام مجايل له وتربطه به صداقة خاصةوكان محبوبا وسط الانصار لصدقه ونبلة
كانوا هم الخمسة الكبار في امكدادة اقطاب حزب الامة وحملة رايته لا يقطع الحزب امرا الا بمشورتهم ومباركتهم كان اولهم القطب الكبير الامير ادم بشر ابراهيم وكيل دائرة الامام وكاتم اسرارة انفق معظم ماله لمصلحة الانصار وكان يتفقد مرضاهم ويقيل عثراتهم وساتحدث عنه في مكان اخر عن اثاره وجمائله وتسامحه انشاء الله وثانيهم الامير مصطفي محمد زائد المشهور بمصطفي الكردفاني الذي كان يدفع للحزب بسخاء من حر ماله واذكر عند بناء مسجد الانصار الحالي في امكدادة تبرع بفرشه بافخر انواع السجاد العجمي الذي مازالت بقايا خرقه تصارع الزمن لتبقي حتي تشهد له يوم يقوم الناس لرب العالمين .
كان ثالثهم الشيخ الامير بن الامير احمد جمعة وهو الاب المؤسس لدعوة الانصار في امكدادة وقام الحزب علي كتفه وحمله في احلك ظروف السودان السياسية كان من المقربين للسيد عبد الرحمن وكان من اهل حظوته والمقربين عنده ويتذكر اهل امكدادة الزيارة التاريخية الامام الصادق المهدي في اواخر ستينات القرن الماضي وكيف استطاع جمعة حشد الانصار في المدينة التي تقاطروا اليها بجمالهم وخيولهم وحميرهم وركبانا وعلي اقدامهم وقد شاهدنا اللوحة الرائعة لذلك الحشد وهم متلزمين ومتحزمين بعممهم المشدودة علي بطونهم دلالة علي الجلد والصبر وسيوفهم بارقة وحرابهم تغازل اشعة الشمس في ذلك اليوم الغائط من شهر يونيو نحن كنا صغارا في تلك الايام ولكن بهرتنا تلك المشاهد.