اتفاق ملف الخدمة المدنية في دارفور .. آل البربون “كلاكيت مرة رابعة”

0 73

بقلم : خالد عمر

ثارت بعض النقاشات على إثر الإتفاق الذي وقعته حكومة السودان الانتقالية مع الجبهة الثورية السودانية – مسار دارفور في ملف الخدمة المدنية حيث نص الإتفاق على عملية إصلاح شامل للخدمة المدنية تبتدرها مفوضية قومية تجري عملية مراجعة شاملة تبنغي التقويم كيفاً ونوعاً واداءاً، كما نص الإتفاق على ضرورة أن لا يقل تمثيل مواطني/ات إقليم دارفور بنسبة ٢٠ ٪؜ في هياكل الخدمة المدنية بما يوازي الثقل السكاني للإقليم.

تحجج المنتقدون للإتفاق بدعاوي أن المعيار الواجب اتباعه هو “الكفاءة” وأن الخدمة المدنية جهاز احترافي لا يجب أن يخضع “للمحاصصات الجهوية” وفي رأيي فإن هذا المنطق هو تكرار لخطايا تاريخ الدولة السودانية، وإنه منطق مختل ومعوج لم ينسى أو يتعلم شيئاً مما مضى كآل البوربون الذين لو كانوا بيننا لوقفوا مندهشين من فعائل آل السودان.

هذا النقاش قديم بقدم نشوء دولة السودان الحديثة بعد الاستقلال حين تمت سودنة الوظائف التي كان يشغلها البريطانيون، طالب حينها موظفي الجنوب بأن يخصص لأهل الإقليم عدد ٣ مديري مديريات و ٣ نواب مديري مديريات و ٦ مفتشي مراكز و ٨ مساعدين لمفتشي المراكز و ١٢ مأمور مركز و ٣ حكمدار بوليس وقمندان بوليس و ٦ وكلاء وزارات … رفض قادة الأحزاب الشمالية حينها المقترح وهدد اتحاد الإداريين السودانيين “الشماليين” وقتها بتقديم استقالات جماعية بدعوى أن هذه الوظائف يجب أن يتأهل لها المتنافسون وفقاً “لكفاءتهم” حتى وإن أغفلت هذه الكفاءة معيار التعبير عن التعدد والتنوع في البلاد.

هذا المنطق تسبب في استمرار الحرب الأهلية واتساع رقعتها حتى بلغت مبلغ الإبادة الجماعية ومن ثم تقسيم البلاد. ثم عقب كل هذا الفشل التاريخي في إدارة التنوع وتعبير الدولة بعدالة عن مكوناتها يثور ذات النقاش وللمفارقة في ذات التوقيت “مرحلة الإنتقال” .. مر السودان بمراحل انتقالية متعددة .. اولاها بعد اتفاق القاهرة في ٥٣ وثانيها بعد ثورة اكتوبر ٦٤ وثالثها بعد ثورة ابريل ٨٥ .. في كل هذه الانتقالات كان سؤال الحرب والسلام وادارة التعدد والتنوع وتعبير الدولة عن مكوناتها حاضراً، واضاعت نخبنا الفرصة تلو الأخرى لل لشيء سوى قصور الرؤية وذهول الرأي والفكر عن حقائق الواقع … الآن نحن أمام فرصة جديدة ولدت من بين رفث ودم .. جاءت بعد إن انقسمت البلاد وفقدت ملايين الأرواح وتشتت شمل ابناءها وبناتها في أصقاع الأرض وداخل معسكرات اللجوء والنزوح .. هذه الفرصة لن تلحق قائمة الفرص الضائعة ان تبددت ففي الغالب لن نجد حينها وطناً نبكي فيه حسرة ما اضعنا.

يكثر الحديث في اوساطنا عن السلام .. السلام ليس لفظة تقال “والسلام” .. للسلام مستحقات أهمها تعديل اختلال هيكل وتكوين الدولة السودانية لكي تعبر عن جميع مكوناتها بعدالة ولتتساوى الفرص أمام الجميع غض النظر عن عرقهم أو دينهم أو قبيلتهم أو طبقتهم الاجتماعية. هذا الأمر يتطلب جدية في التناول وبعداً عن التبسيط وعزيمة في معالجة الاختلالات وانتهاءاً عن تكرار أخطاء الماضي وما أقل اعتبارنا بماضينا في هذه البلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.