اضحكوا وابتسموا ما أمكنكم ذلك

0 50
كتب: جعفر عباس
.
بين ظهرانينا قوم يحسبون أن الوقار يتطلب التجهم والتكشيرة الدائمة، ويعتبرون جميع صنوف الضحك ضربا من قلة الأدب، أما ضحك البنت فعندهم أمر لا يجوز السكوت عليه، بينما في الأرجنتين وأستراليا هناك أقسام للضحك في المستشفيات، بعد أن ثبت الضحك يفيد المرضى، ويعينهم على الشفاء بوتيرة أسرع مما لو اكتفوا بالعلاج التقليدي، لأن الضحك يساعد على ضخ كميات كبيرة الأوكسجين إلى القلب، ويسهم في رفع نسبة الإندورفين في الجسم، ومن ضحك لدقيقة واحدة كمن استرخى 45 دقيقة (الإندورفين مادة كيميائية موجودة في الجسم يساعد تحفيزها على تخفيف التوتر والقلق).
عندما كنت مدرسا في “الخرطوم بحري الثانوية”، جاءني طالب بعد بداية الحصة فرفضت السماح له بالدخول لأنه تأخر لعشرين دقيقة، فإذا به يصيح: أنا طلعت من بيتنا 5 صباحا وأبوي وصلني بالحمار لغاية خط اللواري (الشاحنات)، ومن لوري إلى لوري ومن حافلة الى حافلة، ثم من موقف الحافلات الى المدرسة كداري (سيرا على الأقدام)، تقول لي “ارجع”؟ أنت ما نصيح؟ “مجنون أنت؟”، وسمعت أحدهم يقول بصوت خافت: يا ساتر! ولكنني انفجرت ضاحكا بهستيريا، ثم انتقلت العدوى الى الطلاب، فتفجرت الضحكات، وخرج المدرسون من بقية الفصول وعلى وجوه بعضهم الاستياء بسبب “الإزعاج” وتحول الاستياء إلى دهشة عندما انتبهوا إلى أنني بندر شاه الجالس في مركز الفوضى، ومايسترو الضحك الهستيري. ضحكت عندما تساءل الطالب عن مدى سلامة قواي العقلية، لأنني أدركت أنني مارست درجة من الغطرسة الإدارية عندما رفضت السماح له بدخول غرفة الدراسة، غير مدرك لحجم معاناته كي يصل إلى المدرسة، ولأن عبارة “أنت ما نصيح؟” خرجت من فمه بعفوية أهلنا الطيبين.
تسبب مدرس في المرحلة الوسطى، في الطلاق بيني وبين الرياضيات، لأنه كان يمارس العنف اللفظي والجسدي بحقنا، ويخاطبنا: اسكت يا ابن الكلب .. يا حمار .. لعنة الله عليك وعلى والديك .. غبي من ظهر غبي، وبالمقابل وفي المرحلة الثانوية، لم أكن أفوت حصة رياضيات كي استمتع بالجلوس أمام أستاذنا الحبوب عمر حسن مدثر الشهير ب (عمر ماث)، وذلك لبراعته في مادة ال “ماثيماتيكس”/ الرياضيات، وأجلس أمامه ضاحكا مبتسما وأنا مش فاهم أي حاجة عن الدرس، فيلتفت نحوي ويقول: ح تبقى لي سبب أسيب الشغلانة دي (التدريس)، وذات مرة تشكك في امكان قبولي في الجامعة طالما انني لا أفقه شيئا في مواد أساسية مثل الفيزياء والرياضيات، فقلت له إنني اعتزم الالتحاق بكلية الآداب فقال بدوره: ممكن يقبلوك فيها وهي مليانة بنات وتقضي السنة الأولى كلها حب ويفصلوك في نهاية السنة، فسألته عما إذا مر بتجربة حب في الجامعة، فقال: أصلا كانت معنا بنت واحدة وفي السنة الثالثة “قام لها شنب زي الجغرافيا” ولم نسأله كيف يشبه الشارب الجغرافيا فقد كنا نعرف ان له شطحات بلاغية خاصة.
المهم أنني أحب كل انسان بشوش ضحوك، ولكنني لا أحب الضحك على الآخرين او على عثراتهم، وأتمنى لو يصبح الابتسام والضحك روشتة/ وصفة يومية نتلقاها في البيوت وأماكن العمل والدراسة وأينما يكون تجمع بشري، وبما أن اليوم عطلتي الأسبوعية فإنني اريد منكم إضحاكي بذكريات سنوات الدراسة الطريفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.