الأطباء الكوبيون

0 82

كتب طلحة جبريل:
تحققت واحدة من نبواءات المفكر السياسي والكاتب سمير أمين حرفياً.
توقع أمين قبل رحيله في فبراير 2018، أن تقدم كوبا على الرغم من سنوات الحصار الطويلة خبرات للعالم الرأسمالي في مجال الصحة وتوفير الغذاء. وهذا ما يحدث الآن إذ أن ” تسونامي كورونا” جعل بعض الدول المتقدمة تستنجد بالأطباء الكوبيين.
اهتمت كوبا بالتعليم والصحة والغذاء وحققت في المجالات الثلاثة تقدماً ملحوظاً، على سبيل المثال قضت كوبا على الأمية في فترة قياسية.
ظني أن ما كتبه سمير أمين يحتاج إلى الكثير من الجهد لإستيعابه.
هذا المفكر الذي يتحدر من أب مصري وأم فرنسية ترك ركاماً من الأفكار، وعلى الرغم من كل ما كتب عن مؤلفاته فإن هناك الكثير يمكن أن يقال عنها.
كنت اطلعت على ورقة بحثية قدمت خلال ندوة نظمت “بجامعة الشيخ أنتا ديوب “(داكار) في الذكرى الثانية لوفاته، أقتطف لكم منها بعض الأفكار:
ظل سمير مهموماً منذ أن كان طالباً بقضايا تصفية الاستعمار ثم قضية التنمية والنمو في العالم الثالث وكان مهموماً بالتزايد المريع للهوة بين العالم الثالث والبلدان المتقدمة من حيث مستويات المعيشة والانتاجية. كان سمير أمين أحد اعمدة مدرسة فكرية مثلت صرحاً نظرياً ضمن الدراسات الأكاديمية طوال أكثر من عقدين من الزمان وحاولت الإجابة على السؤال الملح أين الخلل الذي أدى إلى ذلك التفاوت. وكانت تلك المدرسة هي ما عرف بمدرسة “التبعية” وهي أول محاولة لتقديم تفسير متكامل يدرس تطور البلدان المتقدمة وتخلف العالم الثالث كوحدة واحدة متشابكة مستنداً إلى معطيات علوم إجتماعية متعددة.تقول هذه المدرسة ببساطة أن النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي يقوم على وجود مركز وهامش حيث أن نقل الفائض الاقتصادي من الهامش إلى المركز يؤدي إلى تقدم المركز وتخلف الهامش وهذا التطور غير المتكافئ ليس اختلالاً يمكن تصحيحه من خلال تبني استراتيجيات وخطط تنمية صحيحة بل هو شرط ضرورة لوجود النظام الرأسمالي العالمي فالتقدم والتخلف وجهان لعملة واحدة. وظل سمير يرى أن لا سبيل إلى تنمية حقيقية إلا ب”فك الارتباط” بالعالم الرأسمالي وهو عنوان لأحد كتبه.
سادت هذه النظرية وغيرها في دراسات العالم الثالث في الجامعات ومراكز البحث وألهمت الكثير من الحركات الثورية وحركات اليسار الجديد والنخب التي انتقدت الرأسمالية بشدة ورأت قصور التجربة السوفياتية والتحليل الماركسي الذي لم يتعرض لواقع المستعمرات واكتفى بتحليل أوضاع العمال نتاج الثورة الصناعية في أوروبا وأهمل طبقة الفلاحين التي تمثل قوام الإنتاج في العالم الثالث.
كان سمير أمين يرى من الوهم الاعتقاد بأمكانية إصلاح الرأسمالية من داخلها وعليه ينبغي الخروج من “الرأسمالية المعتلة” تماماً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.