الأفول السريع لظاهرة ترمب
كتب: د. النور حمد
.
مثل فوز ترمب في انتخابات عام 2016 ظاهرة استثنائية بكل المقاييس. فرغم استهزاء الميديا الأمريكيةالداعمة للحزب الديموقراطي بفكرته ترشيح نفسه، ورغم نبشها كل تاريخه الشخصي بالغ السوء، وجهله وضحالة ثقافته العامة وعدم خبرته السياسية، استطاع ترمب بخطاب شعبوي بسيط أن يحرك ساكن أهل الريف الأمريكي من البيض، فالتفوا حوله. وانهزمت الصفوة المثقفة الداعمة للحزب الديموقراطي بآلتها الإعلامية الضخمة ومحلليها السياسيين وأكاديمييها، أمام زعيم شعبوي لا يحسن الحديث، ولا يملك سوى قاموس لغوي محدود. لكنه كان يرسل رسائل شعبوية قصيرة مؤثرة ضد صفوة واشنطن وضد المهاجرين وضد الإسلام والمسلمين وضد الصين وضد قوانين حماية البيئة، وضد برنامج أوباما للرعاية الصحية، فوصل إلى البيت الأبيض وسط دهشة الجميع.
لقد ظل بيض أمريكا خاصة جمهور الريف من مناصري الحزب الجمهوري يحبسون أنفاسهم لعقود وهم يرقبون الاحصاءات التي تشير باضطراد إلى تنامي أعداد الأقليات، خاصة القادمين من أمريكا اللاتينية، وتأكيد تلك الاحصاءات أن البيض سوف يصبحون، في بضع عقود، أقلية في أمريكا. فالملونون سوف يصبحون قوة انتخابية ضاربة، لن تلبث أن تقلب موازين القوة في الحياة السياسية الأمريكية التي كانت على الدوام في صالح فئة البيض. ويزعج هذا، أكثر ما يزعج، الداعمين لسياسات الجمهوريين. في ظل هذا الوضع من المخاوف، خاصة وسط البسطاء من سكان الأرياف المعزولين يصبح للخطاب العنصري تأثير بالغ. وقد ساعد في ذلك أن صفوة المدن تجاهلت هذه الشرائح الريفية العريضة. وكان خطابها المكثف يمر دائما من فوق رؤوس أهل الريف. فالإكثار من الحديث عن حقوق المثليين وزواج المثليين وحق الإجهاض والحديث عن ضرورة تقييد امتلاك السلاح الناري كانت كلها مما يثير مخاوف القطاع الريفي المحافظ الذي وجد في ترمب بطلا منقذا.
أمضى ترمب أربع سنوات عاصفات في البيت الأبيض وكان كالثور في مستودع الخزف. فلم يسنده خطابه الشعبوي الذي أوصله إلى البيت الأبيض. وأصبح وهو رئيس أقوى دولة على وجه الأرض، مثارا للسخرية في كل أرجاء العالم. وجاءت جائحة كورونا فقابلها بالتهريج وبنفس الرعونة ولغة الخطاب الشعبوية واللامبالاة. فكانت أمريكا الأضعف من بين دول العالم في التصدي للجائحة. ولذلك لم يكن غريبا أن يفقد ترمب الرئاسة عقب سنواته الأربع الأولى. وهو أمر لم يحدث لرئيس جالس على سدة الرئاسة منذ 1992. لقد وجهت القوى الأمريكية الجديدة صفعة بالغة القوة للوثة الترمبية العابرة. فقد كان وصول ترمب للرئاسة هو “فجة الموت” للمقاومة الكتيمة لمشروع الحرية والعدل والمساواة في أمريكا.
حقق جو بايدن نصرا ساحقا على دونالد ترمب. وقد تغيرت الخارطة الانتخابية الأمريكية تغيرا كبيرا إذ تحولت عدة ولايات من حمراء إلى زرقاء. كما أن حجم المشاركة في هذه الانتخابات لم يحدث في تاريخ أمريكا. لقد انتفض الأمريكيون لكرامة وطنهم وقاموا بتطهير مقعد الرئاسة مما لوثه به دونالد ترمب. فهذا النصر، في تقديري، هو نصر الشعب الأمريكي بأكثر مما هو نصر الحزب الديموقراطي. فالحزب الديموقراطي حزب معتل تسيطر عليه مثل رصيفه الجمهوري مجموعات المصالح. ولسوف تظهر الأيام ما اذا سوف ينتهز الديموقراطيون هذه الفرصة العظيمة فيصلحوا من حال حزبهم، أم انهم سينغمسون فيما كانوا فيه أصلا فتضيع هذه الثورة ذات الدلالات العميقة التي فجرتها صناديق الانتخابات.