الاجندات العسكرية تطغى علي المشهد السوداني

حراك ومبادرات سياسية تفتقر لإرادة أطراف الصراع

0 120

ذوالنون سليمان، مركز تقدم للسياسات
تقديم:
أكد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أمام حشد عسكري بشرق السودان , الجمعة 5 يناير ، أنه لا مجال للصلح أو التوصل إلى اتفاق مع قوات الدعم السريع ، ووجه انتقادات عنيفة لقائدها محمد حمدان دقلو , منوهاً بأن الجيش مستمر في معركته لاسترداد كل السودان .
يتزامن هذا التصعيد مع جولة خارجية لقائد الدعم السريع شملت حتي الان دول جيبوتي وأوغندا وإثيوبيا وكينيا وجنوب أفريقيا ورواندا، ومع توقيعه لمذكرة تفاهم سياسية مع تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية برئاسة عبدالله حمدوك حول سبل إنهاء الحرب وتحقيق السلام , رفضها البرهان كأساس للعملية السياسية ووقف لإطلاق النار, معلنا استعداده للقاء التنسيقية داخل السودان .
تحليل:
التصعيد الإعلامي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يأتي على خلفية عدد من التطورات في مقدمتها : ظهور قائد الدعم السريع بعد شائعات مقتله , وقيامه بجولات دبلوماسية خارجية لدول المحيط الإقليمي ولقائه مع القوي المدنية ، اقتراب موعد لقاء طرفي الحرب وفق توصيات قمة دول الايقاد , وطلب تنسيقية القوي المدنية لقاءها به وفق مسودتها للحل السياسي الموقعة مع قائد الدعم السريع .
لا تنفصل هذه التطورات عن حالة التجييش الشعبي للحواضن الاجتماعية في مناطق سيطرة الجيش تحت مسمي المقاومة الشعبية والتسليح والتمويل الذي وصل ليد البرهان نتيجة لعلاقات الإسلاميين وحراكهم الإقليمي , والتي تم توظيفها في حشد وإعداد قوي سلام دارفور “مناوي و جبريل” وقوي مسار الشرق “الأمين داؤود وترك” بمساعدة لوجستية من إرتريا , بما يشبه الاستعداد المعنوي لجولة ميدانية عسكرية جديدة بغرض تحسين الموقف التفاوضي عبر تغيير المعطيات علي الأرض .
هنالك قراءة أخري تري في هجوم البرهان الإعلامي علي قيادة الدعم السريع ومكونات “تقدم” تأتي من أجل تقوية موقفه القيادي أمام تيار الحسم العسكري والقوي الإسلامية وعناصر النظام القديم التي لها مخاوف من مبادرة ايقاد واشتراطات تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية .
تصريحات البرهان الصادمة , أتت في ظل مناخ تفاؤلي أساسه طغيان الحراك السياسي على المعارك العسكرية , وذلك بعد قبول طرفي الحرب باللقاء المباشر تنفيذا لتوصيات قمة الايقاد الطارئة وخارطة اليتها الرباعية للحل السياسي , وانتظام القوي السياسية والمدنية في عدد من المبادرات تستصحب طرفي الصراع , جوهرها إنهاء الحرب , ولكن المجريات السياسية تخالف هذه التوقعات , وتصب في اتجاه استمراريتها , ليس استنادا علي تصريحات البرهان الأخيرة وحسب, ولكن على خلفية مواقف الأطراف العسكرية والمدنية على حد سواء التي تعقد خطوات الحل السياسي ، فعلى مستوي الجيش , نجد أن وزارة الخارجية السودانية قامت باختلاق أزمة دبلوماسية مع دولة كينيا , رئيسة الالية الرباعية لمبادرة الايقاد للحل , وذلك باستدعاء سفير السودان بنيروبي ،احتجاجا على الاستقبال الرسمي لحميدتى بكينيا , كما أصدرت بياناً تضمن عدة تحفظات علي مقترح اللقاء الثنائي لقمة الايقاد ، من ضمنها اشتراط البرهان إقرار وقف دائم لإطلاق النار، وخروج الدعم السريع من المواقع التي يسيطر عليها قبل لقائه مع دقلو . ومن جهة اخرى، اشترط الدعم السريع بأن يتم اللقاء مع البرهان بصفته القائد العام للجيش وليس كرئيس لمجلس السيادة، وأن يتم ذلك بحضور
كل رؤساء الدول الأعضاء في الإيقاد، والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات التي شاركت في القمة الاستثنائية، بينما نادت تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية بضرورة اشراكها في اللقاء كطرف أساسي.
يلاحظ تبادل طرفي الحرب في السودان استخدام سلاح العلاقات الخارجية والحواضن الاجتماعية في صراعهم المسلح , فعلي غرار جولة البرهان الخارجية بعد خروجه من الخرطوم ابتدر قائد الدعم السريع سلسلة من الزيارات الخارجية لعدد من الدول الافريقية ذات الوزن والنفوذ في القارة بهدف حشد التأييد والدعم في معركة الشرعيات المقبلة , على خلاف أهداف زيارة البرهان التي كانت تتمحور حول الدعم اللوجستي والعسكري , وترجح عدد من المصادر نجاح جولة حميدتي الافريقية وتفوقه علي البرهان دبلوماسيا في نيل ثقة دول ومنظمات القارة الافريقية , مما يعزز موقفه إقليميا ودوليا . .
في الشق الاخر , لجأ البرهان لسلاح الحواضن الشعبية تحت مسمي المقاومة الشعبية بعد فشل استراتيجية الاستنفار الشعبي والمنظومات الجهادية في التصدي لقوات الدعم السريع , في خطوة تعتبر تراجعا من واجبات الدولة ومفهومها وذلك بعد قيامها بالتسليح الانتقائي لمجموعات اجتماعية ودوائر جغرافية معينة , لاقت هذه الخطوة استجابة كبيرة من المواطنين نتيجة لسيادة الخطاب الشعبوي الصادر من قوي الحرب في النظام القديم , وكرد فعل للانتهاكات في ولاية الجزيرة بعد سيطرة الدعم السريع عليها , مما يرشح لدخول الحرب في توصيفات سياسية جديدة إذا لم تتصدي القوي السياسية والمدنية لها . سياسيا، نجحت قوى الحرب في تعبئة المواطنين في أماكن سيطرتها ضد الدعم السريع , ويظل فعالية المقاومة الشعبية المسلحة رهين باختبار المعارك العسكرية , التي تنبئ مؤشراتها عن ارتفاع تكلفتها البشرية في مواجهات غير متكافئة بين مجموعات ذات خبرة قتالية وقوات مشاة ذات تجارب حربية متعددة ضد جيش يتكون من وحدات فنية ويعتمد سلاح المشاة على المواطنين .
تصريحات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تدلل على وجود بعد سياسي وعسكري في هجومه الإعلامي اللاذع علي قيادة قوات الدعم السريع وقيادة القوي السياسية والمدنية، وهي أشبه بإعلان الحرب من خلال اختياره للمكان “قاعدة جبيت العسكرية” والزمان “ظهور حميدتي” , ويبدو واثقا من جاهزية قواته ومقدرتها علي استرداد زمام المبادرة . ستنحصر تداعيات الخطاب السياسية في فشل لقاء تنسيقية القوى المدنية والبرهان , وتأجيل لقاء الجنرالين وفق مبادرة الايقاد التي أصبحت مهددة بالفشل والموت السريري نتيجة لمواقف أطراف العملية السياسية , وسيؤدي إلي تصعيد عسكري منّ الجانبين , وتشير التقارير لتحول مسرح القتال الى الولايات الشمالية والشرقية التي أكمل البرهان استعداده فيها لامتصاص هجوم الدعم السريع والعمل على استرداد ولاية الجزيرة وتحسين موقفه التفاوضي , وفي حال فشل مجهودات دول منظمة الايقاد والمسهلين في منبر جدة في نزع فتيل الأزمة ودفع البرهان وحميدتي للقاء فسوف تزداد مساحة الحرب والاقتتال في السودان وبالتالي معاناة المواطنين وفق إفادات منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة الذي وصف الأوضاع في السودان كأكبر أزمة نزوح في العالم، إذ شُرد أكثر من 7 ملايين شخص من مساكنهم ، عَبَر نحو 1.4 مليون منهم إلى دول الجوار .
خلاصة:
معطيات واقع الحرب في السودان تشير الي احتمالية اندلاع الحرب الأهلية الشاملة ، وذلك بعد عجز مبادرات الحل السياسي الإقليمية و الوطنية نتيجة لتعقيدات المشهد السوداني , ولرغبة أطراف الحرب في تحقيق كل أجندتها حربا أو سلما , والذي تراه ممكنا وفق تصوراتها , مما يجعل قابلية تحول السودان لساحة حرب إقليمية ودولية احتمالا مرجحا ، بسبب توفر الدعم والسند الاقليمي لطرفي القتال، وفي ظل ازدياد حالة الاستقطاب في منطقة القرن الافريقي والبحر الأحمر، مما يضع المجتمع الدولي في اختبار جديد أمام مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية , ويجعل السودانيين أمام تحدي يتمثل في مدى مقدرتهم على حماية دولتهم الوطنية من مخاطر التقسيم والحروب الاهلية الطويلة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.