تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
أصبح السودان مسرحًا اخر لصراع الأقطاب الدولية وصار ساحة مواجهة لها تأثيراتها علي أطرف الأزمة السياسية السودانية بين المكون المدني والعسكري من جهة، وبين المكونات السياسية والعسكرية والمعارضات المسلحة من جهة أخري .
بادئ ذي بدء ، شكل محاولة التواجد الروسي في السواحل السودانية علي البحر الاحمر وسعي موسكو لتفعيل الاتفاقية التي وقعت مع حكومة البشير في العام 2017 لإنشاء قاعدة عسكرية بمدينة بورسودان، عاملا مهما في استمرار الازمة السياسية في السودان . فالجانب الامريكي عبر بصورة علنية وضمنية ، عن ارتباط الازمة بحسم القيادة السودانية لموقفها من التواجد الروسي على الأراضي السودانية ، والمقصود هنا التحذير من منح الروس قاعدة بحرية او الوجود العسكري الفاعل لقوات فاغنر في الجنوب الغربي لمنطقة دارفور على الحدود مع افريقيا الوسطى ، برعاية وحماية قوات الدعم السريع .
– ظل الوجود العسكري الروسي في السودان، أحد اوراق المناورة والابتزاز التي استخدمها نظام البشير. وبعد سقوط النظام لجأ رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان لذات السياسة لتحسين موقفه لدي المعسكر الغربي وتأمين وجوده ومصالح القوات المسلحة في مواجهة النفوذ المتزايد لقوات الدعم السريع المدعومة بقوي اقليمية وبعلاقة قائدها محمد حمدان دقلو المتميزة مع الجانب الروسي في مجال الذهب ، والتسهيلات التي يقدمها خدمة للتوسع الروسي في أفريقيا الوسطي ومالي. وما زاد الطين بلة، تصريحه الشهير أثناء زيارته لروسيا تزامنا مع بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حيث قال، إنه لا توجد عقبات أمام إنشاء قاعدة روسية في السودان ما دامت ستفيد البلاد، مؤكدًا حق السودان في اختيار شركائه وفق المصالح المشتركة التي تجمعهم.
– يمكن تفسير التباين في مواقف المجتمع الدولي والقوي الإقليمية من المكون العسكري لطبيعة تكوينه وتأثيره في الملفات بما فيها الوجود والنفوذ العسكري الروسي ، فتقييم الجيش السوداني يندرج في اطار تعريفه كامتداد للنظام القديم بحكم انتماء غالبية قيادته العليا للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ، بينما تشكلت قوات الدعم السريع من مليشيات قبلية عربية افرزها الصراع المسلح في دارفور وطورت قدراتها العسكرية من خلال مشاركتها العسكرية في عمليات عاصفة الحزم باسم السودان في اليمن، هذه الثنائية تعتمد عليها مواقف الاطراف الخارجية في علاقاتها مع طرفي مركز القرار في السودان ،حيث يدعم بعضهم فكرة ضرورة بناء الجيش السوداني كقوات قومية ويدمج فيه قوات الدعم السريع والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في جوبا ، ما يعني الغاء الدور العسكري والسياسي للدعم السريع وعدم ترك أمن المنطقة في ايدي ميلشيات مسلحة ، وهو موقف يعبر عن تصورات دولتي مصر وقطر بينما نجد موقف طرفي المبادرة الرباعية ( السعودية والإمارات ) يصب في مصلحة بقاء قوات الدعم السريع في المشهد بكل فعاليتها نسبة للتواجد الكبير للحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني في الجيش مما سيعقد المصالحات السياسية والاستقرار ، وسيعيد النظام القديم ليكون فاعلا أساسيا في المستقبل ، ما يعني العودة الى المربع الأول .
– مواقف قوي الحرية والتغيير بشقيها “المجلس المركزي ” و “التوافق الوطني” ، متقاربة في تعاطيها مع البعد الدولي والاقليمي في السودان ، تتسم بالبراغماتية وعدم المبدئية حيث تحركها مصالحها الذاتية فقط ويتضح ذلك من خلال تجاوبها مع مبادرات الالية الرباعية واستجاباتها للدور المصري ومؤخرا قطر ، بينما يذهب تحالف التغيير الجذري بقيادة الشيوعي في طريق إسقاط الحكومة وجميع المبادرات الخارجية وفرض مشروعه الايدولوجي .
الدور المصري القطري:
– تتبلور الان مبادرة قطرية حول أزمة الانتقال في السودان وذلك بعد أن وجه مركز دراسات النزاع والعمل الانساني القطري، دعوة لأطراف الانتقال في السودان تضم قوي الحرية والتغيير ولجان المقاومة للبحث في خارطة طريق جديدة. بعض الدوائر السياسية تعيد الدور القطري الجديد الى الصراع الامريكي الروسي في السودان، حيث تلتقي قطر مع الرؤية الامريكية والمصريه والتي ترى ضرورة تحجيم النفوذ السياسي للدعم السريع وذلك من خلال إيجاد تقارب بين قوي الحرية والتغيير والجيش وأطراف عملية السلام وقوي النظام القديم ، وتشكيل حكومة انتقالية تساهم في استقرار السودان ، وتضعف الوجود والنفوذ الروسي في السودان وأفريقيا.
الخلاصة:
تعدد مبادرات الحل السياسي بكل تقاطعاتها وتنوعها تعمق الانقسام السياسي في السودان وتعجل بانهياره وتفككه علي أساس جهوي واثني ، وقد تشعل فتيل البارود بين الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة الامر الذي قد يدخل السودان في موجة حروب لا نهاية لها ، خاصةً مع اقتراب الذكري الثانية لقرارات البرهان التي جمد فيها الوثيقة الدستورية وأطاح بالحكومة المدنية الانتقالية ليدخل السودان عامه الثاني دون وجود حكومة فعلية قادرة علي الايفاء بمتطلبات المواطن الخدمية وقضاياه المعيشية مع تنامي الجهوية وتضاعف فرص الانقسام.