التنمية عبر التعاونيات في السودان

0 84
كتب: د. الشفيع خضر سعيد
.

أستضيف في حيز مقال اليوم، رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الأستاذ كمال إبراهيم أحمد، مستعرضا حديثه في ندوة إسفيرية عن التحديات الاقتصادية التي تواجه منطقة النوبة. والأستاذ كمال يرفض تعريفه كخبير اقتصادي، مع أنه فعلا كذلك، ويفضّل تعريف نفسه كمواطن له تجربة ناجحة في إقامة وإدارة المشاريع الزراعية والصناعية، خاصة في مجال إنتاج بذور زهرة عباد الشمس، عندما ترأس اتحاد منتجيه حتى 1992، وحقق إنتاجية عالية في مساحة بلغت 420,000 فدان في القطاع المطري، لم يتحقق مثلها حتى الآن، مثلما حقق صادرات من الزيوت النباتية لم تتكرر حتى تاريخه. لكن الإنقاذ وضعت العراقيل أمام نشاطه الإنتاجي حتى أخرجته منه تعسفيا. وهو يقول، ساخرا، أنه في انتظار تكوين لجنة إعادة مفصولي «القطاع الخاص».
الأستاذ كمال، سلّط الضوء على ثلاث إشكاليات أساسية، الأولى تتعلق بحقوق ملكية الأرض في منطقة النوبة. فتاريخيا، كان الاستقرار في بلاد النوبة يعتمد على الزراعة على ضفتي نهر النيل. وهذا الحق اعتمدته الامم المتحدة عبر قرارها 295/61 بتاريخ 13/6/2007، والذي يكفل للشعوب الأصيلة والمجتمعات المحلية ممارسة حقها في التنمية وفقا لاحتياجاتها ومصالحها. كما يوضح القرار؛ إدراك الحاجة الملحة الى احترام وصون الحقوق الطبيعية للشعوب الاصيلة المستمدة من هياكلها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية ومن ثقافاتها وتقاليدها الروحية وتاريخها وفلسفتها، ولا سيما حقوقها على أراضيها ومواردها، وكذلك يرحب القرار بتنظيم هذه الشعوب لنفسها من أجل تحسين اوضاعها. وفي هذا السياق، أشارت الورقة إلى الاعتداء السافر على هذا الحق، باقرار مبدأ قيام سد كجبار وسد دال، واصدار قرار جمهوري بمصادرة الاراضي، من سد مروى حتى وادي حلفا وايلولتها لمشروع سد مروي، عنوة دون رضا المواطنين، في خرق واضح لقانون حق الأرض الصادر من الأمم المتحدة.
الإشكالية الثانية، تتعلق بالخلل في التعامل مع الأراضي، فيتم توزيعها للسكن على حساب الزراعة. يقول الأستاذ كمال، هناك مفهوم خاطئ في مناطق النوبة حول التنمية، حيث عند التفكير في مسألة تنمية البلد، تُعطى الأولوية لتوزيع وامتلاك الأراضي السكنية، مع العلم أنه من المفترض والصحيح البدء بتخطيط وتوزيع الأراضي للمشاريع الزراعية، لأن الزراعة كانت تاريخيا، ولا تزال حتى اليوم، المصدر الأساسي للتنمية، والعامل الرئيسي للاستقرار في المنطقة. تُقسّم الأراضي المتاخمة للنيل أو البحيرة للسكن، مع أن هذه الأراضي تعد من أخصب الاراضي للزراعة وأقلها تكلفة بالنسبة للري ورفع المياه من النيل. والصحيح أن تقام المناطق السكنية في الظهير الصحراوي والاراضي المرتفعة المستقطعة من المشروع الزراعي. ومعروف أن مدينة وادي حلفا أقيمت، للأسف، في أجود وأخصب منطقة زراعية على البحيرة.

الاستقرار في بلاد النوبة يعتمد على الزراعة على ضفتي نهر النيل. وهذا الحق اعتمدته الأمم المتحدة عبر قرارها الذي يكفل للشعوب الأصيلة والمجتمعات المحلية ممارسة حقها في التنمية

أما الإشكالية الثالثة، فتتعلق بالهجمة التي تمت ودمرت النشاط التعاوني في منطقة حلفا الجديدة. فتعاونيات حلفا الجديدة تعتبر من أنجح التعاونيات وعلامة بارزة في تاريخ التعاونيات في السودان، وساهمت في إنجاح الزراعة والاستقرار في المنطقة بعد التهجير من وادي حلفا. ومن ثمرات نجاحها إقامة المطاحن ومصنع العلف وتعاونيات النقل والسلع الاستهلاكية. والجدير بالذكر، أن مشروع حلفا الجديدة الزراعي كان من المشاريع المميزة لدى البنك الزراعي، من حيث إيفاء المزارعين بالتزاماتهم للبنك. لكن، التغول والخطوات التعسفية من قبل سلطة الانقاذ، باعتقال أعضاء مجلس الادارة وإبدالهم بمنسوبي السلطة، والعمل على إفشال الجمعيات التعاونية، أدى الى إيقاف المطاحن وتدهور الآلات الزراعية والورش، والتعسر في البنوك وتراكم الديون. وسلوك الإنقاذ هذا، يستوجب إجراء التحقيق وتقديم المتهمين للمحاكمة، منعا لتكرار جريمة التغول من أي سلطة، وحماية لحقوق المواطنين. وحاليا، تجرى الدراسات المبدئية والعاجلة لإعادة تأهيل المطاحن لرفع طاقتها حتى 500 طن قمح وذرة في اليوم، ورفع طاقة التخزين لـ 50 الف طن من الحبوب. ومن المؤكد، أن منظومة التعاونيات في حلفا الجديدة ستجد السند من العديد من المانحين والممولين لتوفير الآلات والمعدات الزراعية والورش الخاصة بها في إطار تحديث وادخال التقنية الزراعية الى هذا المشروع.
حيثيات المقترح الرئيس في ورقة الأستاذ كمال، تستند على أن هناك حوالي 160 قرية من تخوم وادي حلفا الى مشارف دنقلا. هذه القرى لها الحق التاريخي والاصيل بامتلاك أراضيها واقامة الجمعيات التعاونية الزراعية التنموية فيها. والمساحة المقترحة لكل قرية، هي حرم أرض القرية وبعمق 25 كيلومتر شرق وغرب النيل. وبالطبع سيتم استقطاع الاراضي الملك والمشاريع الحكومية الزراعية، كما يمكن استبعاد مشاريع التعدين، وكل ذلك عبر التفاوض والتسويات.
ولتنفيذ هذا المقترح، يقترح الأستاذ كمال آلية «ولاية وزارة الري الإتحادية الولاية على النيل، والأنهر، والمياه الجوفية، ومشروعات حصاد المياه»، بحيث يكون لوزارة الري الحق الأصيل في أن تتصرف في هذه المياه كما تشاء. كما لوزارة الري حق التصرف في مساحة تسمى «حرم النيل والأنهر»، بعرض 25 كيلومتر كحد أدنى على ضفتي النيل والأنهر، وذلك بغرض الاشراف وتعظيم الاستفادة المثلى من مورد المياه.
وللوزارة، بالطبع، الحق في إقامة المنشآت اللازمة من قناطر للري الانسيابي وتوليد الكهرباء، دون تأثير على اراضي المواطنين، وتحديد مآخذ المياه للري الميكانيكي، وتحديد مسارات القنوات، وتطبيق أحدث اساليب وتقنيات الري. كما تحدد وزارة الري، مع هيئة البحوث الزراعية، المحاصيل المناسبة والدورات الزراعية ومواقيتها لهذه المشروعات. وهذا الاقتراح إذا تمت الموافقة عليه، يمنح وزارة الري الحق في منع أي تعدي، بالبناء او تغيير النشاط من الزراعة، على الاراضي الخصبة داخل نطاق الـ 25 كيلومترا على ضفتي النيل والانهر. ومن المضحك، أن يسمى التعدي على الأراضي الخصبة الزراعية « تحسين»، على الرغم أنه في الواقع «تبوير» للأرض لتحويلها إلى أراضي سكنية أو لأغراض أخرى غير الزراعة. الخلاصة، أن الجمعيات التعاونية هي الوسيلة المثلى لتنمية المنطقة النوبية حلفا، سكوت والمحس وحلفا الجديدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.