الجبهة الثورية: لُبط 

0 47

كتب: د. عبد الله علي إبراهيم 

.

شاهدت اجتماعاً ساخناً لوجوه القوم من شعب حمر يحتج على المفاوضات القائمة في جوبا لتناولها أوضاع ولاية غرب كردفان كمفردة في اتفاق قادم بين الحكومة والحركة الشعبية-الحلو. وعندي، مثل كل من قرأ اتفاق جوبا الأول مع الجبهة الثورية بمساراتها، أن هذا الاحتجاج ربما تأخر كثيراً. فقد سبق السيف العزل فيه. فعرّفت وثيقة الاتفاق في جوبا الأولى المنطقتين بشيء من الإسراف. فإلى جانب النيل الأزرق شملت المنطقتان، تعريفاً، ولاية جنوب كردفان أي جبال النوبة وغرب كرفان. وفي هذا عودة لولاية جنوب كردفان القديمة.

بدا لي أن غرب كردفان الآن في براثن صراع الجبهة الشعبية-شمال بين جناحي الحلو وعقار. فسبق لاتفاق جوبا أن عقد ولاية النيل الأزرق لجناح عقار وجعل له نائبي الوالي في كل من جبال النوبة وغرب كردفان. ودبجه بثلاثين في المائة من أعضاء الجهاز التنفيذي والتشريعي في كل من النيل الأزرق وجبال-جنوب كردفان وغرب كردفان.

واضح أن من خول لجناح عقار هذا الرزق السياسي في جوبا لم يطرأ له أن سيكون له يوماً مع جناح الحلو. ويبين الكوك عند المخاضة. فالجناحان، يا حسرة، فاقدا زمالة. ولا يطيقان واحدهما الآخر. ودقا بينهما عطر منشم. وتضرج صراعهما حول المنطقتين بدم. وكل الدلائل تشير إلى علو كعب جناح الحلو في جبال النوبة بلا منازع وله زعم مؤكد أنه سيد الموقف حتى في النيل الأزرق.

لا خلاف أن اتفاق جوبا كان حلفاً سياسياً بين عسكريّ الانتقالية ومن حضر من الحركات المسلحة بمساراتها. وكان بالنسبة للمفاوضين المدنيين سباقاً لخبر سعيد عن أداء الانتقالية ونجاحاتها. وكانوا في صرمة لهذا الخبر جداً. ولعل الحلو وعبد الواحد يرثان حجراً. وعليه: فكيف للحلو أن يقبل لخصومه هذه البحبحة في السلطان السياسي وهو الذي يعدهم لا شيء. نازلهم فغلبهم. هذا إذا لم يعدهم “خونة” للقضية في الدارج بين الثوريين والمسلحين منهم على وجه الخصوص. وليس لخائن عهد فيهم أن تكون له الولاية ونيابة الولاية و٣٠ في المائة من الوظائف الدستورية والعامة. يلقاها عند الغافل (أو ذو الحاجة) مثل طاقم مفاوضي الانتقالية. فجوبا الأولى الآن هي أكبر عثرة لجوبا الثانية المنتظر. بل هي العثرة الكأداء متى جئنا لجوبا الثالثة مع عبد الواحد. والله لا يوريكم ذلك اليوم.

وواضح إن النار التي شبت في جوبا الأولى تمددت ألسنة لهبها لتشوي وجوه القوم في حمر.

ودا كلو هين. فقرأت بياناً للجبهة الثورية (أو مساراتها) كونت فيه وفداً ليلحق بالمفاوضين في جوبا بعد استئذان الفريق أول البرهان. وسمعتم مني من قبل قولة عمتي سلامة بت محمد خير (شقيقة على محمد خير الدلال في الأبيض) تقول “أنت ساكت مالك آ طاها” حين لا يكون الأمر راكب عدله. وطه بكرها رحمه الله. فما عمار الجبهة الثورية (ومساراتها) في التفاوض الأول في جوبا لتجرؤ على جوبا الثانية؟ والله تهوبو بهناك البسويهو فيكم الحلو ومحمد جلال هاشم يفرجان فيكم البلد والبلدين. حنانيكم! كل ما سمعتو بمفاوضات غزوني لا تنسوني. الله لا تزوركم قبر المصطفي كما دعا الشريف الهندي على مؤتمر الخريجين.

عوسكم السمح شنو في جوبا الأولى لتستحقوا المثول في جوبا الثانية؟ أين كانت حكمتكم فيها وأنتم تنهشون بقاع الوطن نهشاً يتفجر الآن في وجه الثورة والحكومة الانتقالية. فها هم وجوه حمر ينهضون متأخرين نوعاً ما لنقض ما اتفق لكم من تعريف للمنطقتين شمل غرب كردفان. ولن يتنازل الحلو قيد شبر عن هذا التعريف للمنطقتين طالما جيهتم عقار عليهما بالولاية وغير الولاية.

وليست هذه جليطة الجبهة الثورية (ومساراتها) بحق الثورة والحكومة الانتقالية. فقد وقعت في جوبا اتفاقاً عن الشرق لا إيدو لا كراعو خرّ دماً. ووقف حمار هذا الاتفاق في العقبة. وحفيت أقدام توت قاتلواك، الوسيط الجنوبي، لتنزيله على الأرض ولا جدوى. وتملصت حركات دارفور في الجبهة الثورية من مشهد اتفاق الشرق العصيب بالمرة تمضغ غنائمها. والناس مدروكة.

كنت طلبت من وفد مقدمة اتفاق جوبا المبشر به في الخرطوم أن يبدأ بالشرق لزف الخبر السعيد. وهو الاتفاق الذي كجنت سيرته جماعات مؤثرة في الشرق استُبعِدت من الاتفاق لمحض أنها لم تكن في مسار من مسارات الجبهة الثورية. وكأن مثل هذه البيعة حاجبة للحق. والحضر القسمة قسم والغائب حقو في كرعينو. وما زلت عند مطلبي أن تجلس الجبهة الثورية ومساراتها مع الأطراف التي رفضت، وهي محقة، اتفاق جوبا. وأن تبذل قصارى جهدها لكسبهم له بما قد ينتهي إلى تعديلات جذرية عليه، أو ربما شطبه كلية لصيغة اتفاق أكثر ذكاء ونبلاً وعين مليانة.

لما قرأت خبر طلب الجبهة الثورية أو مساراتها ابتعاث وفد لمفاوضات جوبا علقت بكلمة واحدة “لبط”. وهي من لغة صفوف البنزين على أيام دولة نميري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.