الذكرى (75) لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني (2)

0 73

كتب: تاج السر عثمان بابو 

.

1
منذ نهاية القرن التاسع عشر سافر بعض الطلاب المصريون للدراسة في أوروبا، وهناك تأثر البعض منهم بالأفكار الاشتراكية ومدارسها المختلفة: ماركسية، فابية… الخ، وعندما اكملوا دراساتهم رجعوا إلى مصر وبشروا بالأفكار الاشتراكية التي تطالب بتحسين أحوال ومستويات العمال والكادحين وتناصر المستضعفين ضد الاستعمار والاضطهاد الرأسمالي، وقامت أحزاب اشتراكية في مصر، ومن هؤلاء المفكرين كان سلامة موسي أول من ألف كتابًا عن “الاشتراكية” في مصر عام 1913، وعصام الدين حفني ناصف، ومصطفى المنصوري، وغيرهم. وقد أسهمت هذه الأفكار في تطور وعي الطبقة العاملة ونشر الفكر الاشتراكي.
وكان لذلك تأثيره في قيام الحزب الاشتراكي في مصر 1921 والذي تغير اسمه للحزب الشيوعي المصري عام 1922، وطرح في برنامجه المجاز عام 1924 أهداف مثل: الإطاحة بالملكية وإقامة الجمهورية الديمقراطية، تحرير الفلاحين من عبودية كبار الملاك وإعطائهم أراضيهم، حق الشعب السوداني في الانفصال عن مصر… الخ، كما ارتبط الحزب منذ تأسيسه بالطبقة العاملة التي كانت إضراباتها واسعة وتطالب بتحسين أوضاعها المعيشية، وتكوين النقابات واتحاد العمال للمطالبة بحقوقها وتعرض الحزب لقمع وحشي من حكومة سعد زغلول..
كان بعض أعضاء جمعية اللواء الأبيض متابعين لكتابات الحزب الشيوعي المصري في الصحف المصرية، على سبيل المثال: جاء في كتاب “رجل من دلقو ” لمؤلفه الحسن محمد سعيد، دار مدارات 2019، ص 27 – 28، أن أحد أعضاء الجمعية الجندي نوح إبراهيم الملقب ب “المارشال”، ذكر في أحد اللقاءات للأعضاء “أطلعت اليوم على خبر صاعق في جريدة (المقطم) بقيام حزب شيوعي مصري في (القاهرة) في ظل دستور 1923، يقترح على الحركة السياسية المصرية وأحزابها المختلفة، بأن العلاقة مع السودان يجب أن تقوم على وحدة في ظل اتحاد فيدرالي بين البلدين، وهذا النظام الدستوري سيمنح السودان نوعًا من الحكم الذاتي المستقل تحت التاج المصري”.
ويعلق نوح إبراهيم على شعار وحدة وادي النيل، باعتباره تبعية لمصر، كما حدد نوح طبيعة الصراع، وأشار لمعسكرين: معسكر زعماء الطوائف الدينية وسادة القبائل والعشائر، وهؤلاء أنصار الإنجليز، ومعسكر آخر نمثله نحن من العسكر وصغار الموظفين والتجار والمثقفين وأهل التعليم المدني الجديد الذي أوجده الاستعمار”.

الجدير بالذكر أن كتاب “رجل من دلقو” تابع في رواية شيقة سيرة الضابط سيد فرح من قادة ثوار 1924، وكيف تمكن من الهروب بعد هزيمة ثورة 1924 إلى مصر ومنها إلى شعاب وبطاح ليبيا، وخيبة أمله في مساندة القوات المصرية لثوار 1924، وفي شعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري، وكيف ألتقى صدفة بالثائر عمر المختار، وشارك معه في الثورة ضد الاستعمار الطلياني، وكيف تم هروبه بعد وصول العدو إلى عمر المختار وتم استشهاده، وواصل سيد فرح اختفائه مع أسرة في قرية مصرية، وتزوج منها، حتى تم العفو عنه مع بقية الثوار بعد اتفاقية 1936، وعودته للعمل في الجيش المصري حتى وفاته في مصر.

ما يؤكد ارتباط قادة الطائفية بالاستعمار ما جاء مقال في (حضارة السودان) بعد مظاهرات ثوار 1924،
الذي جاء فيه “أُهينت البلاد عندما تظاهر أصغر وأوضع رجالها دون أن يكون لهم مركزًا في المجتمع”، وكتب آخر بعنوان ود النيلين “(إنها لأمة وضيعة يقودها أمثال علي عبد اللطيف)، “مها عبد الله المرجع السابق”. (للمزيد من التفاصيل عن الصراع العنصري: راجع د. يوشيكو كوريتا، علي عبد اللطيف وثورة 1924، ترجمة مجدي النعيم، مركز الدراسات السودانية، يناير 1997).
كل ذلك يشير، إلى أن حركة اللواء الأبيض، لم تكن معزولة عن التيارات الفكرية والسياسية التي كانت سائدة في المحيطين الإقليمي والعالمي.

أشرنا سابقًا إلى أن نشأة الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) كانت امتدادًا لتطور الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال والسيادة الوطنية، وكما أشار عبد الخالق محجوب في مؤلفه “لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الوسيلة، ط 3 1987)، ص 40 إن نشأة الحركة السودانية للتحرر الوطني- الحزب الشيوعي فيما بعد “لم يأت قسرًا أو عن طريق الاستيراد كما يدعي أعداء الشيوعية في السودان، بل كان تطورًا منطقيًا للفكر السوداني وحاجة ماسة فرضتها الظروف التي واجهتها البلاد”.
بالتالي كانت امتدادًا لتقاليد الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي أنبلج فجرها بتأسيس جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الابيض واندلاع ثورة 1924م، ونهوض الحركة الثقافية والأدبية والرياضية، وخروج المرأة للعمل والتعليم، وتطور التعليم المدني الحديث، وظهور الصحافة الوطنية (الحضارة السودانية، النهضة، الفجر) التي أسهمت في رفع درجة الوعي الثقافي والفكري والسياسي. وبالتالي جاء ميلاد الحزب الشيوعي تطورًا طبيعيًا ومنطقيًا للفكر السوداني..

ليس ذلك فحسب ، بل أن بعض مؤسسي الحزب الشيوعي كانوا أبناء لثوار 1924 وتأثروا بهم مثل:

عبد الخالق محجوب الذي كان والده محجوب عثمان مرتبطًا بالنضال ضد الاستعمار في جمعية اللواء الأبيض، كما يشير د. محمد محجوب عثمان شقيق عبد الخالق في مقال له بعنوان “عبد الخالق محجوب اسم وضئ في سماء الوطن” عن سبب اسم عبد الخالق:

” سألني واحد مرة، أن كانت تسمية الرجل جاءت مجاراة لاسم عبد الخالق ثروت باشا، رئيس وزراء مصر عام 1922 بعد نفي سعد زغلول، وبعض أعضاء حزبه، حزب الوفد عام 1919، والمعلوم أن عبد الخالق ثروت باشا ينتمي إلى عصبة الباشوات الأتراك الذين كانوا يحكمون مصر وعلى رأسهم الملك فؤاد، وكان جل أولئك الباشوات من ملاك الأراضي أو الإقطاعيين الأغنياء الذين أذاقوا الشعب المصري العسف والعذاب. قلت ردًا على هذا إن الصحيح أن الوالد قد سماه عبد الخالق تخليدًا لوطنية وشجاعة مأمورًا يسمى عبد الخالق حسن حسين عمل في ظل إدارة الحكم الثنائي للسودان، والذي في وفاته خرجت أول مظاهرة ضد الإنجليز عام 1924م في مدينة أم درمان، وكان ذلك حدثًا فيه كثير من الدلالات والترميز لنضال شعبي مصر والسودان المشترك ومثلت نهوضًا للحركة الوطنية السودانية”. (محمد محجوب عثمان، الميدان: الخميس: 23 يوليو 2009).

2
لم يكن صدفة أن تصدر أول صحيفة جماهيرية للحزب الشيوعي عام 1950 باسم “اللواء الأحمر”، وكان ذلك تعبيرًا عن أن الحزب امتداد لجمعية اللواء الأبيض التي كانت تصدر صحيفة “اللواء الأبيض” السرية، وكذلك أصدر عبد الخالق محجوب مجلة فكرية ثقافية عام 1957 باسم “الفجر الجديد” التي توقفت بعد انقلاب عبود، وعاودت صدورها بعد ثورة أكتوبر 1964، وتوقفت بعد حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965. وكان ذلك تعبيرًا عن أنها امتداد لمجلة الفجر التي أصدرها عرفات محمد عبد الله من قيادات ثوار 1924 في أوائل ثلاثينات القرن الماضي، علمًا بأن مجلة “الفجر الجديد” كانت من الصحف الشيوعية المصرية التي صدر العدد الأول منها في: 16 مايو 1945م (راجع رفعت السعيد: الصحافة اليسارية في مصر: 1925- 1948، دار الطليعة بيروت، 1974)، ربما جاء الاسم عليها، لكن الغالب أنها امتداد للمجلة التي أصدرها عرفات محمد عبد الله.

يقول محمد محجوب: “ولعلي هنا استدعي إحدى الحقائق وهي أن القائد الوطني عرفات محمد عبد الله، قد لجأ إلى بيتنا متخفيًا من ملاحقات قلم الاستخبارات أي جهاز الأمن على العهد الاستعماري، ولا استطيع أن اؤكد هنا أن شيئًا من هذا قد رسخ في عقل عبد الخالق فقد كان طفلًا آنذاك. ولكن ترداد اسم وسيرة عرفات في أسرتنا لم ينقطع حتى بعد أن شب عبد الخالق عن الطوق، فقد ربطت بين عرفات والوالد علاقة عمل حيث عمل كلاهما في مصلحة البريد والبرق، وعلاقة سياسية – على درجة ما – في جمعية اللواء الأبيض، فهل يكون هذا قد خلق أثرًا في تكوين عبد الخالق العقلي بهذا القدر أو ذاك؟ “. (محمد محجوب، مرجع سابق).

كما تشير فاطمة محجوب عثمان شقيقة عبد الخالق في مؤلفها “مذكرات فتاة شقية”، دار مدارات 2019، ص 40 ،عن حكايات والدها الذي يقول: “علاقتي بعرفات توطدت حتى صارت أسرية فأنا استقبله يوميًا عندما يحضر من منزله في (الدباغة) وهو حي صغير بعد (ابوروف) وكثيرًا ما كان يحضر راجلًا رغم بعد المسافة، ومرة على ظهر الحمار متفاديًا الترماي الذي كان ينتشر فيه الجواسيس والمخبرين الذين يتابعونه كالظل والذين يعرفهم جميعا. مجلة اللواء الأبيض التي كان يحررها في منزله كانت حاضرة لمراجعتها، وإضافة ما يرى مهم والتي كانت تخرج في ثوب أنيق بسبب اللغة والأفكار الموضوعية والترتيب المنطقي للأشياء، حقًا كانت مجلة اللواء الأبيض واحدة من أقوى أسلحة النضال ضد الاستعمار، والتي ساعدت على انتشار الوعي وسط جماهير الشعب السوداني”.

وهذا يشير إلى أن محجوب عثمان والد عبد الخالق كان له دور كبير في العمل السري لجمعية اللواء الأبيض، في تأمين نشاط الجمعية وتحرير مجلة اللواء الأبيض.

3
في علاقة المؤسسين بثوار 1924 يقدم الأستاذ التجاني سيرته الذاتية في دفاعه الذي قدمه أمام محكمة ديكتاتورية مايو في أكتوبر 1982 والذي جاء فيه:

“ليست هذه أول مرة أواجه فيها القضاء، فأنا مناضل منذ الصبا الباكر، أي قبل أكثر من أربعين عامًا، والفضل في ذلك يعود إلى أبي ومعلمي الذي كان قائدًا لثورة 1924 في شندي وظل وطنيًا غيورًا حتى وفاته قبل شهور، كما يعود إلى جيلنا العظيم جيل الشباب الذي حمل أعباء نهوض الحركة الوطنية والديمقراطية الحديثة. وأنني أعتز بأنني كنت من المبادرين والمنظمين البارزين لأول مظاهرة بعد 24 وهي مظاهرة طلاب المدارس العليا في مارس 1946، وأعتز بأنني كطالب في مصر أديت نصيبي المتواضع في النضال المشترك مع الشعب المصري الشقيق ضد الاستعمار وحكومات السراي والباشوات ونلت معه نصيبي المتواضع من الاضطهاد باعتقالي سنة وقطع دراستي، وأعتز بأنني شاركت مع رفاق أعزاء في كل معارك شعبنا من أجل الحرية والتقدم الاجتماعي والديمقراطي، وقمت بدوري المتواضع في بناء الحركة العمالية وتنظيماتها ونقاباتها والحركة الطلابية واتحاداتها، وأعتز بأنني في سبيل وطني وشعبي شردت واعتقلت وسجنت ولوحقت وأنني لم أسع إلى مغنم ولم أتملق حاكمًا ولا ذا سلطة ولم اتخلف عن التزاماتي الوطنية كما أعتز بأنني ما زلت مستعدًا لبذل كل تضحية تتطلبها القضية النبيلة التي كرست لها حياتي، قضية حرية الوطن وسيادته تحت رايات الديمقراطية والاشتراكية. ولست أقول هذا بأية نزعة فردية فأنا لا أجد تمام قيمتي وذاتي وهويتي إلا في خضم النضال الذي يقوده شعبنا وقواه الثورية، إلا كمناضل يعبر عن قيم وتطلعات وأهداف ذلك النضال، إلا عبر تاريخ شعبنا ومعاركه الشجاعة التي بذل ويبذل فيها المال والجهد والنفس دون تردد في سبيل الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، إنني جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ المجيد وهذه القيم والتطلعات النبيلة. إن هدف السلطة من تقديمي لهذه المحاكمة ليس شخصي بالدرجة الاولى وإنما مواصلة مساعيها لمحو التاريخ الذي أمثله والتطلعات التي أعبر عنها.. ولكن هيهات.. وشكرًا على سعة صدركم”..

هذا إضافة للمؤسسين الآخرين الذين كانوا من أبناء ثوار 1924 تأثروا بهم وساروا في دربهم الثوري مثل:

– د. عبد الوهاب زين العابدين أول سكرتير للحركة السودانية للتحرر الوطني(حستو)، إضافة إلى أنه كان سكرتيرًا لمؤتمر الخريجين.

– ثريا التهامي القيادية في الحزب الشيوعي والاتحاد النسائي كان والدها التهامي محمد عثمان من ثوار 1924، والذي انضم للحزب الشيوعي فيما بعد.

– د. عز الدين علي عامر كان والده من ثوار 1924، فعندما وُلد عزالدين عام 1924 كانت ثورة 1924 مشتعلة، وسماه والده “علي عبد اللطيف” تيمنًا بقائد تلك الثورة، إلا أن الأسرة استعارت اسم عز الدين حفاظًا على المولود من بطش الاستعمار.

4
هذا إضافة لانتشار أفكار التحرر الوطني والاجتماعي والتقدم والاشتراكية في ثلاثينيات القرن الماضي، كما ظهرت في مجلة النهضة السودانية والفجر فيما بعد مثل: الفكر الاشتراكي الذي كانت بذوره موجودة في السودان قبل الحرب العالمية الثانية، وتعرّف عليها المتعلمون والخريجون السودانيون من مصادر مختلفة وسنحاول إثبات ذلك من الأمثلة التالية:
– في مجلة النهضة السودانية العدد (26) ص: 23 – 24 ، نجد قائمة بأسعارها لكتب عصرية حسب ما وصفتها مكتبة النهضة السودانية، من ضمن هذه الكتب كتاب عن “روح الاشتراكية”، ترجمة الأستاذ محمد عادل زعيتر وثمنه (22) قرشًا وغالبًا ما يكون بعض الخريجين أو المتعلمين السودانيين في الثلاثينيات قد تداولوا هذا الكتاب وتعرفوا ولو على لمحات من الفكر الاشتراكي.

– في مجلة الفجر العدد (1) مجلد (3) الصادر بتاريخ 1 – 3 – 1937م، ص 8 – 10، نجد دراسة تحت باب دراسات اقتصادية بعنوان (لمحة عن الاشتراكية) للكاتب عبد الرؤوف فهمي سمارة.

وبعد الحرب العالمية الثانية أتسع دخول الفكر الاشتراكي بمدارسه المختلفة من ماركسية وغيرها، وتأثرت أقسام من العمال والمثقفين بها، إضافة للدور الذي لعبه بعض الجنود والمعلمين من الحزب الشيوعي البريطاني في توصيل الفكر الماركسي لبعض الطلاب والسودانيين مثل: الجندي مستر استوري، ومستر دكنسون الذي كان معلمًا في المدارس الثانوية، ويذكر أحمد سليمان في كتابه: ومشيناها خطى 1983 أن مستر ديكنسون قدم محاضرة للجمعية الأدبية بمدرسة أم درمان الثانوية عام 1945 عن “المادية الجدلية والمادية التاريخية، وكان رئيس الجمعية عبد الخالق محجوب، وسكرتيرها التجاني الطيب بابكر، وواصل ديكنسون نشاطه الثقافي إلى أن نقل إلى مدرسة وادي سيدنا الثانوية.

إضافة للأثر المصري عن طريق الكتب والمجلات، فقد شهدت فترة الثلاثينيات وبداية الأربعينيات إصدار مجلات ماركسية يسارية في مصر مثل: “روح العصر التي صدرت في 14 فبراير 1930″، و”شبرا التي صدرت في 26 أغسطس 1937” و”التطور التي صدرت في يناير 1940″، اهتمت روح العصر بالاشتراكية، وقدمت شرحًا وتعريفًا لها، وقدمت ترجمات لمؤلفات ماركس عن “العمل المأجور ورأس المال”، وكتابات ماركس عن الفهم المادي للتاريخ، وعن مؤلفات لينين، وكتبت عن مشاكل الطبقة العاملة، والتجربة الاشتراكية السوفيتية، وخطر الصهيونية وضد اغتصاب أراضي الفلسطينيين، وحذرت من خطر الفاشية، ويوم العمال العالمي في أول مايو… الخ ، وقد وصف رفعت السعيد مجلة روح العصر بأنها كانت مدرسة للفكر الاشتراكي، أما مجلة “شبرا” فقد ركزت على قضايا الطبقة العاملة، واهتمت مجلة “التطور” بتحرر المرأة ومساواتها بالرجل وحقها في التعليم والعمل، والأفكار التحررية في الأدب والفن… الخ.
(للمزيد من التفاصيل: راجع رفعت السعيد: الصحافة اليسارية في مصر: 1925- 1948، مرجع سابق)،
لا شك أن كل ذلك كان له الأثر في تعرف المتعلمين والعاملين على الفكر الاشتراكي.

هذا إضافة للاهتمام بحرية الفكر، وحرية التعبير والنشر والنقد، كما ظهرت مقالات عن ذلك في مجلة النهضة السودانية مثل العدد ((24)، والعدد (31)، هذا إضافة للاهتمام بالفكر الفلسفي ونظرية التطور كما في الفجر العدد (2) الصادر بتاريخ: 16 – 6 – 1934م، نجد مقالًا فلسفيًا لعبد الله عشري الصديق تحت عنوان (مسائل الكون الكبرى – البداية)، ويخلص في نهاية المقال إلى أن (كل ما توصل إليه الفكر البشرى حتى أيام الفلسفة العربية يتلخص في ثلاث نظريات لشرح أصل الكون وبدايته هي نظرية الخلق، ونظرية التوليد، ونظرية الخروج والانبعاث، وقد وجدت كل من هذه النظريات أنصارها وناشريها، وأخذت مكانها بين أخواتها كأخر حل يمكن الوصول إليه لهذه المسألة الغامضة). وفي البحث الفلسفي أيضًا نشير إلى المقالات التي كتبها معاوية محمد نور بعنوان (عالم القيم والنظريات) التي ناقش فيها مذهب الشك الفلسفي (معاوية محمد نور: مقالات في الأدب والنقد، دار جامعة الخرطوم للنشر، المقالات كتب أغلبها معاوية في الصحف المصرية وجمعها رشيد عثمان خالد).
كما نجد في العدد (20) للفجر بتاريخ 16 – 5 – 1935 م تحت باب العلوم سردًا تاريخيًا لتطور علم النفس وسردًا تاريخيًا للنفس الإنسانية.
وفي أعداد النهضة السودانية: 29، 30، 32، والصادرة بتاريخ: 20 – 11 – 1932، 27 – 11 – 1932، 11 – 12 – 1932 على التوالي، نجد تحت باب أبحاث علمية حلقات عن مذهب النشؤ والارتقاء لداروين، لعوض حامد جبر الدار (استند الكاتب إلى بحث إسماعيل مظهر “ملتقى البيبل” وكتابات داروين Voyage of Beagle، كما نشير إلى ترجمة إسماعيل مظهر لكتاب داروين أصل الأنواع.) وقدم الكاتب نظرية داروين المعروفة، وأوضح حياته وأبحاثه العلمية والميادين التي طرقها، وكيف توصل إلى قانون البقاء للأصلح، ونظريته حول الخلق المتسلسل وليس المستقل.

ويرى الكاتب في النهاية إن الاطلاع على نظرية داروين ضرورية، وليس على الإنسان الإيمان بها، بل بمجرد الاطلاع، بل الإحاطة بها من وجهة تكوين الثقافة العلمية.
هذا إضافة للدعوات للتوسع في تعليم المرأة وحقها في العمل، وتوسيع التعليم وتطويره، فقد نال التعليم اهتماما كبيرًا من كتاب الثلاثينيات.
مؤكد أن كل تلك العوامل أعلاه، كان لها الأثر في نشأة وتطور الحزب الشيوعي فيما بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.