السودان .. مراجعة أداء أجهزة الفترة الانتقالية

0 79

كتب: د. الشفيع خضر سعيد

 

كتبنا من قبل أن كل أجهزة الفترة الانتقالية، مجلس السيادة ومجلس الوزراء والحاضنة السياسية ممثلة في تحالف الحرية والتغيير، تحتاج إلى وقفة مراجعة وتقييم وتقويم، تشخص فيها أوجه القصور في الأداء وحيال ما تم الاتفاق على إنجازه، وهل هذه الأجهزة تسير في الاتجاه الصحيح. وحسب تصريحات لقادة تحالف الحرية والتغيير، فإن التحالف شرع في إجراء هذه المراجعة والتقييم، وأنه بصدد عقد مؤتمر لهذا الأمر، وإن كان المدى الزمني الذي حدد لقيام المؤتمر، جاء ولم يحضر المؤتمر!
والهدف الرئيسي من وقفة المراجعة والتقييم هذه، ليس مجرد إبراء الذمة، ولا لصك تبريرات للإخفاقات المصاحبة للأداء، ولا لشخصنة القضايا وتحميل الوزر أو المسؤولية لهذا المسؤول أو ذاك، وإنما بهدف تفريق أي شحنات سالبة، ساكنة في أجهزة الفترة الانتقالية، والتزود بمحفزات وطاقة إيجابية تقوي من شأن أداء هذه الأجهزة، لتتبدى في مكاشفة شفافة مع الناس حول ما تم وما لم يتم ولماذا وأين أوجه الخلل والضعف، وفي اتخاذ قرارات مدروسة لصالح المزيد من الكفاءة والفعالية، ولصالح إزالة المعوقات، ممارسة كانت أم أشخاصا ثبت تدني كفاءتهم. بالطبع، فإن وقفة المراجعة دائما ما ترتبط بثلاث محطات رئيسة، هي: المدى الزمني لتنفيذ برنامج العمل المتفق عليه ومن ثم المراجعة في نهاية الفترة الزمنية المحددة، عام مثلا. أو في حال حدوث ظرف معين يتطلب إجراء تغيير وتعديل في تركيبة أجهزة الحكم، كما هو الحال الآن على ضوء اتفاق السلام المتوقع أن يتم التوقيع عليه خلال أيام. والمحطة الثالثة تتعلق بتدني الأداء وضرورة تصحيح المسار الخاطئ كما طالبت مظاهرات ومواكب 30 يونيو/حزيران الأخيرة. وفي كل الأحوال، وكل المحطات المشار إليها هذه، فإن وقفة المراجعة والتقييم والتقويم المطلوبة تتطلب أقصى درجات الشفافية والوضوح، وضرورة المكاشفة الصريحة مع الجماهير. فالشفافية والمشاورة والوضوح والمكاشفة الصريحة مع الناس، تمثل حزمة متكاملة، وتعتبر من المعايير الهامة والرئيسية لقياس مدى ودرجة تخلل وانسياب روح ثورة ديسمبر/ كانون الأول المجيدة في جسد الحكومة الانتقالية. أعتقد، لو أن حكومة الثورة خاطبت الناس شارحة، بكل وضوح وبكل بساطة، أن اتفاق السلام المزمع توقيعه، يعطي الحركات المسلحة ستة مقاعد وزارية، وأن لقاء للتقييم والمراجعة عُقد بمشاركة كل مجلس الوزراء وقيادة قوى الحرية والتغيير، باعتبارها الجهة التي شكّلت الحكومة، قرر، بعد تقييم الأداء، وبحضور الوزراء ومشاركتهم في النقاش، إعفاء العدد المعني من الوزراء، إضافة إلى أي عدد آخر، لما أثار الأمر الضجة التي نشهدها الآن، ولما طرحت تساؤلات حول لماذا هذا الوزير وليس ذاك، ولما ظهرت استنتاجات، أو ربما تسريبات، خاطئة أم صحيحة، بأن الأمر كله هندسته مجموعة محددة، بدون علم كامل مجلس الوزراء وكامل قيادة الحرية والتغيير.

من زاوية أخرى، أنه لأمر مؤسف حقا أن ينظر الناس إلى مفاوضات السلام المتوقع التوافق حول وثائقها والتوقيع عليها قريبا، وكأن ناتجها الرئيسي هو المحاصصة وتسكين حركات الكفاح المسلح في أجهزة الحكم الانتقالي، في حين أن الأمر ليس كذلك. شخصيا، قناعتي التامة هي أن ما سيتم التوقيع عليه أكبر بكثير من مجرد مسألة التسكين في مجلس السيادة ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي، ولكن هذا المحتوى الكبير غير بارز للناس بقدر ما أن البارز هو مسألة التسكين في المناصب، وأعتقد أن المسؤولية في ذلك تقع بالكامل على قادة الحركات المسلحة، خاصة وأن الناس يلاحظون ما يحدث من اعتصامات واحتجاجات في مناطق نيرتتي وكبكابية وشرق السودان….الخ، وهي مناطق يفترض أن تكون الحركات المسلحة هي المتحدث الرئيسي باسمها في المفاوضات، ولكن، وكأن أهل هذه المناطق لا يأملون كثيرا في نتائج مفاوضات السلام الجارية.
أعتقد، لو أن قادة الحركات المسلحة أفردوا حيزا رئيسيا في خطابهم لما ستحققه المفاوضات وتدابير السلام المتوقع حيال مناطق الهامش في مجالات التنمية وتوفير الخدمات والأمن، إلى غير ذلك من المتطلبات التي تنادي بها الجماهير المحتجة والمعتصمة في هذه المناطق، لما ساد الانطباع المؤسف حول المحاصصات والتسكين في المناصب. أقترح أن تكون الأولوية الآن، وقبل أي تسمية لوزراء أو أعضاء مجلس سيادة جدد، هي تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي الذي من أهم وأخطر واجباته ومهامه، مراقبة أداء الحكومة ومساءلتها، وتغيير تركيبتها إذا اقتضى الأمر، تحقيقا لمبدأ منع إساءة استخدام السلطة وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم، على أن تحرص القوى السياسية وقوى الكفاح المسلح على تقديم الكفاءات والقدرات الحقيقية لعضوية المجلس، وبعيدا عن قصر الأمر على مجرد الترضيات والمحاصصات. كذلك ضرورة الحرص الشديد على تمثيل المرأة والشباب ولجان المقاومة والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي، تمثيلا حقيقيا، وليس شكليا أو صوريا، مع التقيد بشرط الكفاءة والقدرة. وكما أشرنا من قبل، فإن نجاح الفترة الانتقالية، ولمنع أي اهتزازات واضطرابات خلال هذه الفترة الحرجة والهشة، خاصة وأن فترتنا هذه، بل والبلد كلها، محاطة بكل إمكانيات التصدع والانهيارات، الاعتصامات والاحتجاجات والنزاعات القبلية الراهنة حد الاقتتال الدموي مثالا، من الضروري جدا، ومن الأهمية القصوى بمكان، أن تخول للمجلس التشريعي الانتقالي صلاحيات تشريعية محدودة، تنحصر في سن التشريعات والقوانين الضرورية لتجاوز ما أحدثته الإنقاذ من تخريب وويلات، ولاستعادة الدولة المخطوفة، وأن يقوم المجلس بتعديل وإلغاء أي قانون يتعارض مع حقوق الإنسان والحريات العامة، وأن يسن التشريعات المتعلقة بقضايا ومسار الفترة الانتقالية، كإجازة الموازنة العامة، المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية…..الخ، وكل ما من شأنه العبور بالمرحلة الانتقالية إلى الأمام. أما التشريعات الأخرى المتعلقة بالقضايا المصيرية التي تدخل ضمن قضايا إعادة بناء وهيكلة الدولة، فأعتقد أن المنطق يقول إنها خارج صلاحيات المجلس التشريعي الانتقالي، ولا يمكنه البت فيها، وإنما تترك للمؤتمر القومي الدستوري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.