السياحة المورد المهمل (7)
كتب: د. النور حمد
.
من أهم المهام التي ينبغي علينا الاطلاع بها، ضمن جهود جعل بلادنا جاذبة للسياحة، تغيير مناهج التعليم، بصورة تزيل منها التشوهات التي ألحقها بها نظام الانقاذ التعليمي والإعلامي المتخلف. نحن بحاجة لإعادة عقول الناس إلى حالة سلامة الفطرة والصحة النفسية التي كانوا عليها، بعد أن تأثروا بالدجل باسم الدين الذي مورس عليهم على مدى ثلاثين عاما. وهو دجل طمس الفطرة السوية لدى كثيرين، وأثر سلبًا على روح التسامح وقبول الآخر، وكرَّس التوحش والجلافة والرعونة في الفكر والمسلك. لقد خلقت الإنقاذ هوةً ثقافيةً مهولةً بيننا وبين شعوب العالم، حتى أصبحت حالتنا، في عمومها مشابهةً لتك التي صنعتها طالبان في أفغانستان.
باختصار شديد، يقتضي الجذب السياحي تناغمًا في قيم التحضر بين الزائرين والبلد المزور. ولا يعني هذا أن تدمج ثقافتك في ثقافة الزائرين، أو أن تصبح مستلبًا لقيمهم، وإنما يعني أن تقبل الآخرين على ما هم عليه، من غير أن تتأثر سلبًا بقيمهم. فقبول التنوع لا مناص منه، لأن الله قد خلق الناس مختلفين وسيبقون مختلفين. ومن يظن أن في وسعه إلباس الناس، جميعًا، جلبابًا قيميًا واحدًا، ليس سوى جاهلٍ أو موهوم. يقول تعالي: “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً * وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”. ويقول، أيضًا: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ”. فاختلاف الألسن والألوان المشار إليه في الآية، ليس مجرد اختلاف سطحي، إنما هو اختلاف في التصورات ومعايير القيم وأنساق السلوك.
عبارة قبول التنوع التي أصبحت تتردد كثيرًا في معرض النقد للأحادية الإنقاذية المنغلقة، لا تعني فقط قبول التنوع داخل بلدك، وإنما تعني أيضًا قبول التنوع فيما يتعلق بالبلدان الأخرى وقيمها. فقد أصبح العالم مترابطًا بصورة غير مسبوقة. ولسوف يزداد ترابطه في السنوات والعقود المقبلة بما لا نستطيع تخيل أبعاده كلها الآن. فشعوب الأرض وثقافات الأرض لم تعد محصورة داخل الحدود السياسية للدولة القطرية. فالبشر بجميع ثقافاتهم أصبحوا يعيشون ويتقلبون في كل جزء من أجزاء العالم، ولسوف تزداد هذه الظاهرة باستمرار، بحيث يصبح لا مناص لأي قطر من قبول التنوع وارتضاء تعايش الثقافات المختلفة في الفضاء العام داخل حدوده. ويكفي أن نشير إلى أن دولاً مثل الإمارات وقطر، على سبيل المثال، أصبح تعيش على أرضها مئات الجنسيات من مختلف شعوب العالم، تتشارك المجال العام بتنوع كبير في المظهر والمسلك.
لقد فهمت غالبية الدول الإسلامية، أنه لا مناص من قبول التنوع، فوطنت نفسها ومواطنيها على ذلك. لذلك، بقي فيها المجال العام منفسحًا للأجانب للزيارة والإقامة، دون أن يحس مقيمٌ أو وافد أن هناك مشكلة. ينسى المخاتلون الذين يثيرون نعرات رفض الآخر المختلف، أن عشرات الملايين من المسلمين يعيشون في الدول الغربية، من غير أن يتأذوا من نسق الغربيين في العيش، أو يتأذى من نسق عيشهم الغربيون. لابد أن نغرس في النشء في المدارس قبول الآخر. وأن ندير في منابرنا الإعلامية حوارات معمقة حول التنوع والتعايش. التسامح والقبول هو ما اتسم به إسلام السودان الصوفي، منذ السلطنة الزرقاء. ولم يتغير إلا في الحقبة المهدوية، وفي فترة حكم الإسلاميين التي اتسمت بالغلو السلفي المستورد، المفروض فرضا عن طريق القهر والاستبداد.
(يتواصل)