السياحة المورد المُهمَل (12) (الأخيرة)

0 89
كتب: د. النور حمد
.
يضاف إلى السياحة الداخلية والسياحة العلاجية، هناك أيضا مورد سياحة الصيد. وقد ازداد النشاط في الصيد البري، بصورةٍ لافتة، في العقد الأخير من حكم الإنقاذ. غير أنه أُدير بصورة مرتجلة وبإهمال شديد، شأنه شأن ما درجت الانقاذ على فعله في كل مرفق عبر بنية التمكين. لقد حولت الانقاذ هذا المورد كغيرة من الموارد وسيلة لملء جيوب المنسوبين دون مراعاة للأضرار التي تنجم عن إدارته على ذلك النحو الفوضوي.
الصيد ضرورة من ضرورات التوازن البيئي. وقد كان افتراس الحيوانات لبعضها، ولا يزال، واحدًا من آليات الطبيعة لحفظ التوازن الحيوي. وقد أسهم النشاط الواسع للبشر في الماضي في الصيد البري في حفظ التوازن الحيوي والبيئي. لكن مع تقدم الحياة تناقص نشاط الصيد البري الذي كانت المجتمعات البشرية تعتمد عليه كثيرًا في غذائها. وأصبح استهلاك الإنسان للحوم، خاصة بعد أن بدأ تدجين الحيوانات منحصرًا في الحيوانات الأليفة؛ كالأبقار والضأن والماعز والجمال والدواجن وغيرها. أيضًا، قاد تطور الحياة الحديثة إلى تراجع البيئات الطبيعية وابتعادها عن أماكن سكنى الإنسان، التي استمرت في التمدد باضطراد. لكن، لأمرٍ ما تدخل الإنسان وطور هواية الصيد فدخل مرة أخرى في دائرة آليات حفظ التوازن الحيوي.
مورد الصيد البري مورد ضروري، والسودان بلد جاذب لهواة الصيد البري، لكن ينبغي أن يُدار الصيد البري وفقًا لضوابط ورقابة بالغة الصرامة. لأنه بغير ذلك يتحول إلى أداة لتدمير الحياة البرية والبيئة الطبيعية. ولقد رصد بعض الناشطين في العقد الأخير من حكم الإنقاذ إسرافًا في قتل الحيوانات، من قبل هواة الصيد القادمين من الجزيرة العربية. لذلك ينبغي عمل قاعدة بيانات بأعداد الحيوانات ومعدلات تكاثرها ورصد مسارات هجراتها. فذلك يعين على رسم السياسات ووضع الضوابط التي تمنع اساءة استخدام هواية الصيد.
لن تزدهر السياحة ما لم يكن هناك أمن واستقرار، لكن مع حالة عدم الاستقرار ونقص الأمن هناك فرصة للبداية. ولقد دلت التجربة أن السياح يفدون إلى كثير من البلدان المضطربة. لا ينبغي إرجاء التخطيط للسياحة حتى تزدهر البلاد. بل، إن موردها نفسه يمثل أحد آليات ازدهار البلاد. وعموما كما قال الأستاذ محمود محمد طه: “إن آجلاً لا يبدأ عاجله اليوم، ليس بمرجو”. ولا يوجد تصورٌ أيًا كان وقد اكتمل جملة واحدة. ولو أن ذلك كان ممكنًا حقا لنشأت الأشياء جميعها كاملة منذ الوهلة الأولى.
لربما رأى البعض أن الحديث عن السياحة في مثل ظروفنا الراهنة ترفًا، وانصرافًا عما هو أكثر أهمية وإلحاحًا. غير أنني أميل إلى الاعتقاد أن هذا من المفاهيم الخاطئة الذي ظللنا ندير بها شؤننا السياسية. لقد كنا منصرفين طيلة العقود الستة ونيف الماضية عن رسم السياسات وتنفيذها ومستغرقين في جدل السياسة. وهو لدينا، في غالبه جدل عقيم. فالسياسة في تجربتنا لحقبة ما بعد الاستقلال أضحت مجالًا غير منتج بفعل صراع المعادلة الصفرية بين القوى الطائفية والأحزاب الأيديولوجية. وأيضًا، بسبب نهج المكاسب الجهوية والفردية الذي ظللنا نمارسه، ولا نزال. وحالة التأخر التي نعيشها تقف شاهدًا على خلل هذا الخلل القاتل في المفاهيم. نحن بحاجة إلى التحول إلى السياسات والبرامج. وكما هو مهم وضع مورد السياحة في إطار السياسات، والبرامج، كذلك مهم وضع موارد الزراعة والحيوان والصناعة والتقنية والمعادن، وغيرها في ذات النسق.
(انتهى)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.