الشروع في الزنا
كتب: طلحة جبريل
***
على الرغم من الانشغالات وموجة التشاؤم السائدة ومخاوف تعززها أرقام مقلقة من الجائحة، عاد جدال قديم وصل أحياناً إلى حد العراك وإنزلق نحو مصادمات.يحدث هذا وباوجه مختلفة في تونس وليبيا والسودان.
هذا الجدال القديم المتجدد يعود ليرفع شعاراً ساد قبل ثلاثة عقود مفاده”الإسلام السياسي”. كان ذلك الشعار أحد تداعيات “ثورة الملالي” في إيران في عام 1979، وانتقل في إحدى امتداداته إلى مصر تعبر عنه”الجماعات الإسلامية”، وتجسدت ذورته في إغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981 ، وكان يشار إلى الواقعة إعلامياً” بحادثة المنصة” لكبح دلالات سياسية، وترسخت في أذهاننا نحن الصحافيين بعبارة “خريف الغضب” التي ابتكرها محمد حسنين هيكل وهو عنوان واحد من أشهر كتبه، حيث أورد الكثير من الحقائق و تحليلها بنفس روائي متألق، مما جعل منه واحداً من أهم الكتب السياسية في القرن العشرين.
بعد تلك الفترة ،ساد إعتقاد أن “الإسلام السياسي” موجة عاتية وغالبة . وكان أن ارتفعت شعارات على غرار ” الاستقرار أهم من الديمقراطية”.ثم راحت رايات ” القومية العربية” تطوى راية تلو أخرى، وانسكب المال يشتري كل شئ من الإعلام مقروءً ومسموعاً ومرئياً وفي جميع القارات، ثم تدفق نحو التنظيمات السياسية حتى وصل إلى الموسيقى والأغاني.كانت نتيجة ذلك أن الحقائق السياسية اختفت من فوق السطح وغاصت في الأرض، وراحت “جماعات الإسلام السياسي” تخطط للهيمنة على السلطة حتى لو كان ذلك بالعنف والانقلابات العسكرية. ورفعت شعاراً يقول إن
“الإسلام هو الحل” ويفترض أن يأتى بكل السبل بما في ذلك فوهات البنادق والرشاشات ، لكن سيتبين لاحقاً أن اعتماد العنف من طرف هذه المجموعات أو اعتماد العنف لمواجهتها لا يفتح مجالاً لأي حل . إذ هي كما يقول المثل محاولة تمرير جمل عبر ثقب إبرة.
وكان أن توارت هذه الموجة، لأن قضايا وتحديات العصر أقوى وأعتى من أي موجة، ويكفي أن نشير إلى ما نحن فيه الآن، إذ جاءنا فيروس لا يرى بالعين المجردة ليقلب حياتنا والعالم بأسره رأساً على عقب.
المؤكد أن الذين رفعوا شعار”الإسلام هو الحل” لم يدركوا أن الدين عقيدة وهو أبقى وأكثر رسوخاً من جميع الشحنات السياسية والاجتماعية والعاطفية والنفسية. ولا يمكن أن نكتفي بالتراث كما وصل إلينا دون أن نضيف إليه، علما بأن “الاجتهاد” من أسس الدين.
أختم لأقول أليس غريباً وعجيباً أن تخرج مسيرات من “جماعات الإسلام السياسي”للمطالبة باستمرار معاقبة المتهمين بالشروع في الزنا” وتطبيق عقوبة الجلد عليهم، هل هناك إذلال للإنسان أكثر من هذا.
ثم بربكم ما معنى “الشروع في الزنا”.
لا أزيد.