”الشلاقي ما خلا عميان”..
كتب: عثمان ميرغني
.
أكاد أجزم أن الفترة الانتقالية منذ وُلدت في صباح الخميس 11 إبريل 2019 حتى اليوم هي مسلسل طويل ممتد من “التضليل” الممنهج، الشباب الثائر في الشوارع قدم أغلى ما عنده من دماء للحصول على تغيير شامل، والتغيير هنا بمعناها الحقيقي الذي يعني إنتاج سودان جديد يتجاوز الفشل الماحق في الدولة السودانية المعاصرة منذ الاستقلال ..
لكن في لحظة فاجعة في تاريخ السودان تمخض جبل الثورة ليلد هياكل حكم هي ذاتها التي جربها السودان خلال مسيرة فشله الطويلة.. مجلس سيادة.. ومجلس وزراء.. ثم تحالف حاكم يمارس السلطة شبحياً.. ليس له رئيس أو لجنة تنفيذية أو سكرتارية أو أرقام اتصال أو حتى عنوان على رأي شاعرنا نزار قباني في رائعته “قارئة الفنجان” :
(فحبيبة قلبك يا ولدي إمرأة ليس لها عنوان..
ما أصعب أن تهوى امرأة يا ولدي ليس لها عنوان.. )..
فما أصعب أن يحكم البلاد حزب حاكم لا عنوان له..
واستمر مسلسل التضليل، وثيقة دستورية تنص على سلطات تنفيذية توزع بمحاصصة خفية في البداية ثم محاصصة مكشوفة بعد فشل الحكومة الأولى، ويكتشف الشعب أن كراسي الحكم التنفيذي سريعة التكوين لكن ما أن تأتي سلطات الشعب، في المجلس التشريعي حتى تتمدد الأعذار سنة بعد سنة، وكأني بالفترة الانتقالية ستنتهي (نهاية قيصرية أو طبيعية) ولا يتكون المجلس التشريعي.. فحتى اتفاق السلام الذي كان هو العذر والاعتذار المرفوع على الرايات مر عليه الآن 9 أشهر و لم يتكون المجلس التشريعي.
واضح تماماً أن “الشلاقي” يواجه تحدياً كبيراً في “تفتيح” وعي الشعب لهذا التضليل المزمن المتعمد.. وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فلربما يدفع الوطن الثمن فادحاً.. ثمن فشل “الشلاقي” في “فتح” عيون الشعب على التضليل الواسع المنهجي.
بكل أسف “جاري الشحن” الآن بذات السيناريوهات التي أودت بثورة أكتوبر 1964 ثم انتفاضة إبريل 1985، استحواذ حزبي على مكاسب ضيقة تعلو فوق المصلحة الوطنية، وتكون النتيجة الوصول إلى “آخر محطة” بالطريقة ذاتها التي وصلت إليها الثورتان..
هناك أكثر من طريق آمن لإصلاح المسار وإنجاح الفترة الانتقالية والعبور بالبلاد نحو بر آمن.. لكن بقدر ما الحلول سهلة.. فالأصعب أن تجد الأذن الصاغية والعقل القادر على استيعاب التحديات..