الصــــورة الأكبــــر لمأســـاة طفـــــل لاجـــــئ
كتب: آدْمُ أجْــــــــــــــرَىْ
.
أما هذا الفصل الجديد فإن مشاهدها أتت من مساكن عثمان بمدينة ٦ أكتوبر، أسرة لاجئة تستأجر شقة فى الدور الأرضى، حافظت على علاقة طيبة بالجيران منهم من يسمى (مجدى)، إلى درجة السماح له بنشر غسيله فى بلكونة شقتها، كان ذلك إختراقاً خطيراً لها، إختار القاتل -صديق الوالد- وقتاً يذهب فيه كل من الأب والأم للعمل كى ينزل لأخذه. نادى على الفتاة مريم وأخبرها أنه آت لجمع أغراضه، والبنت المتشككة فى سلوكه إستدعت إخوانها الذين نزلوا يلعبون بمن فيهم (محمد) دخل معهم وأخذ فى تطبيق ملابسه ثم إقترح إرساله الى السوبر ماركت، تحفظت الفتاة وبدلاً عنه أرسل الطفلين الآخرين، لكنها قررت الابتعاد فخرجت لنظافة الساحة من باب الشقة حتى مدخل العمارة. ولما خلا مجدى بالطفل محمد، أقبل على مهاجمته، طعنه بالسكين داخل غرفة الأم مع بقاء شبهات الإغتصاب قائمة، وغادر بعد إغلاق بابى الغرفة والشقة، فيما بقى الضحية مضرجاً فى دمائه متألماً من جراحه وطرقات الاشقاء بالخارج تتعالى، أقترحت مريم على شقيقيها الدخول عبر البلكونة لفتح الباب، عندئذ أكتشفت الكارثة. ثم لم يمضى ساعات حتى شاع خبر طعن طفل فى حى فيصل، وقبل أيام إنتشر تسجيل أظهر طفلاً ثالثاً يتعرض للإستغلال بغسل قدمى إمرأة تجبره على الأكل من القمامة، وشبان يتنمرون فى الشارع على طفل آخر، والمسلسل يمضى والدائرة تتسع. وكلها جرائم ترتكب فى حق لاجئين سودانيين لديهم سفارة وسفير وملحقيات وجيش من الموظفين.. المشهد الأكبر يقول أنه رغم تبادل الابتسامات والكلمات المنمقة التى تحكى عن شعبين شقيقين، إلا إن الواقع يظهر شيئاً مخالفاً، يؤكد وجود تنافر وجدانى عميق، كراهية مكبوتة، وأنفس حقودة تغذيها سادية الإنتقام، السودانيون الذين لا يخفون إعجابهم بأداء المصريين، تطل عليهم سلوكيات تصدمهم فتترك فى الثوب المهترئ بقعاً تزداد قذارتها مع الأيام، النفاق هو العنصر الأساس فى علاقة يفترض أن تكون أكثر قوة على خلفية شراكتهما فى كل من الحضارة والموارد والمنافع والمصير لكنهما يفشلان. وإذ نتطلع إلى خطوة تخرجنا من هذا المستنقع فإن غرضنا أبعد ما يكون عن الإثارة وصب الزيت على الجمر، الأنفع هنا هو أن نكون أكثر وضوحاً، نقر بوجود أزمة إجتماعية حقيقية، وبأن عناصر التأزيم ليست سياسية على شاكلة حلايب والنهضة، ولا نزاعاً حول موارد، ولا الإرهاب الذى كانت السودان حاضنتها، إنما كراهية مكبوتة أصيلة فى القلوب، شقاق وجدانى عميق يجعل إمرأة مطمئنة لإطعام طفل من الزبالة وإجباره على غسل قدميها وتصويره، أو يدفع السودانيين إلى الإبتعاد عن تشجيع أى فريق كروى مصرى ينازل أجنبياً حتى إن كان منافسه من قارة أخرى. الإستفهامات كثيرة، لكن ماذا يجرى بحق! السلطات المصرية بيدها الطويلة القادرة على حسم كل متفلت، تترك الحبل على الغارب لعصابات تسرح وتمرح وتفسد حياة الجالية السودانية وتؤرق الأسر فى أحياء العاشر، عين شمس، ٦ أكتوبر مساكن عثمان الحي السادس وكأن المقيم لا يستحق أمناً، والسفارة إن كانت حريصة على مهمتها الأولى، كانت ستعمل مع سلطات الدولة المضيفة على تفكيك هذه العصابات التى فيها عناصر إجرامية سودانية، أو التخفيف من وطأتها على أقل تقدير، عدم الترحيب بالقنصل عند وصوله سكن القتيل، رجمه هو وسيارته، تعبير عن سخط متراكم لسنوات طويلة بقى خلالها أى مسئول فى السفارة مجرد موظف مهندم لا فائدة منه، همومه لا تتجاوز البرتكولول وتعلم الاوتيكيت، ناهيكم أن يكون بيده خططاً ترمى إلى حماية رعاياه.
الشعبان شقيقان على الورق وعلى ألسن سياسيين وإعلاميين منافقين فقط، لا يكترثان بخطورة التسجيلات التى تخرج منهما، لكننا أمام أزمة كبرى تستدعى فحصاً إجتماعياً ودراسات سياسية أكاديمية أمينة تصحح العلاقة وتنقذ المواقف تفادياً للإنزلاق إلى هوة أشد خطورة، حيث أن مقتل أطفال وتكرار إستهداف آخرين غيرهم يتطلب وقفات، وتأملات، لأنها ليست جرائم عادية.