العلمانيَّة وخيار الوحدة في السُّودان (2)

0 107
كتب: د. عمر مصطفى شركيان
.
الدستور السُّوداني.. النهوض العاثِّر
وفي نهاية الأمر قدَّم الأب غبوش مداخلة ضافية، حيث قال: “أشكر اللجنة الفنيَّة فقد عملت كثيراً حتى أوضحت لنا من الحقائق ما نصبوا إليه في دولتنا السُّودانيَّة. وأمامنا مرحلة عصيبة ولا بدَّ من أن يكون تعبير شعور شعبنا مفعماً أو مدعَّماً بالأخلاق التي نعيش عليها فعلاً. ولهذا السبب يا سيِّدي الرئيس، ومن خلال ما دار من الحديث حول الدستور الإسلامي وما تبعه من العناوين، يجعلني بعد بسط الحقائق لا أعارض أن يكون الإسلام في السُّودان، ولكني نسبة للحقائق سأذكر، وبكل صراحة أنَّني أعارض أن يكون دستور السُّودان دستوراً إسلاميَّاً، والحقائق بالضَّبط كما أسلفنا وقلنا إنَّ السُّودان رغم أنَّ كثيراً من النَّاس يظنُّون أنَّ السُّودان أغلبيَّته مسلم فلا بدَّ أن يسري الدستور الإسلامي، إلا أنَّني بصراحة لا أظن ذلك. أذكر بصراحة أنَّ بعض البقارة في غرب السودان لا يعرفون بالضَّبط ما هو الإسلام.
“ولو أخذنا هذا السبب في الاعتبار نجد أنَّه عندما يوضع الدستور باسم الدستور الدِّيني الإسلامي نكون قد أجحفنا على هؤلاء النَّاس. وهناك أيضاً في جنوب السُّودان خاصة الكثيرون الذين تكلَّموا عنه قالوا إنَّ به قلَّة من المسيحيين وكثرة من الوثنيين وبعض المسلمين، إلا أنَّه يا سيِّدي الرئيس كما تعلم أيضاً أنَّ بالجنوب فئة كبيرة من المسيحيين، فاذا وضعنا دستورنا بهذه الصيغة سوف نجحف عليهم أيضاً. وعندما سألنا من أنَّ الدستور الإسلامي سوف لا يعطي الرجل غير المسلم حقه فيكون مشاطراً لأترابه وأصحابه المسلمين في الحكم كنا نرى أنَّ هذا لا يوافي الديمقراطيَّة التي نحن بصددها، ولا يكون هذا الدستور مفروضاً على بعض النَّاس، ولهذا سوف لا نعيش في سلام ومحبة، لأنَّني سأشعر بأنَّني أعيش في بلدي وأنا مزعج ومجحف، ولا يمكن أن أكون مرتاح الضمير. وما أقصد إليه أنَّه لا بدَّ أن يكون هناك دستور يجمعنا بشتات دياناتنا ولهجاتنا وأطباعنا وأفكارنا، وكل ما يدور في خلدنا من تراث يجمعنا، ويحتِّم علينا أن نحترم بعضنا البعض. إذاً، ما الفائدة في أن أخدم وأُحرَم من الثمرة ؟
“واعتقد أنَّ الدستور الإسلامي سيُوضَع من هذا القبيل فيمنع الرجل الوثني من أن يأتي للحكم، وفي هذا إجحاف كما يمنع الرجل المسيحي أيضاً، ولذا فأنا آسف لأن أعارض ليس ببساطة، ولكن بشدَّة لئلا يكون دستور البلاد دستوراً إسلاميَّاً لأنِّي أعلم أنَّ الدستور الإسلامي دين ودولة، ولهذا السبب تجدني معارضاً الدستور الدِّيني الإسلامي. أما الجز الثاني وهو الدستور العلماني، فربما يوافق هذا الوضع الدستور الحالي إذ أنَّ كل واحد سيحترم أخاه. المسلم يحترم أخاه الوثني والمسيحي، والوثني يحترم أخاه المسلم والمسيحي.
“ختام حديثي، اعتقد أنَّه إذا وضعنا في الوقت الحاضر دستوراً دينيَّاً إسلاميَّاً فأؤكِّد لك يا سيِّدي الرئيس فإنَّنا سنشجع على شتات أبناء القطر الواحد، لا على انضمامهم كما ذكرت في قولي. إنَّنا إذا كنا نريد دولة موحَّدة ومدعَّمة بأبنائها لكي يدافعون عنها لا بدَّ أن يكون دستورنا دستوراً وضعيَّاً، وأنَّه – أي الدستور الوضعي – سيجمع جميع الأطراف حتى لا ننفر هذا أو ذاك.”
أما في أمر اللجنة الفنيَّة فقد استطرد الأب غبوش قائلاً: “إذا نظرنا إلى اللائحة نجد أنَّ اللجنة الفنيَّة لها مهمتان: الأولى أن تقدِّم دراسات والثانية أن تضع صياغة. وفي هذا المجال يا سيِّدي الرئيس كنت أظن أنَّ هذه اللجنة الفنيَّة في نظري أستاذ ممتاز ما عليها إلا أن تختار خيارات من الكتب القانونيَّة ثمَّ تقدِّمها لنا ونحن في لجنة الدستور القومي ننتخب من خلال تلك الدراسات ما نريده لتكون كاقتراحات تُقدَّم إلى هذه اللجنة، ثمَّ بعد ذلك تبدي وجهة نظرها، ومما يظهر لي يا سيِّدي الرئيس أنَّ بعض أعضاء اللجنة الفنيَّة في حديثهم – وأنا واعظ يا سيِّدي الرئيس – فإنَّهم يؤثِّرون عندما يُقدِّمون هذه الأشياء على بعض النَّاس حتى يميلوا ميولاً واضحة، وهذا ما أكرهه لأنَّ هذه اللجنة تدعم اللجنة القوميَّة. ثمَّ يا سيِّدي الرئيس إذا برزت لنا أشياء معيَّنة لكي نجمع خواطرنا كأناس قوميين فيجب علينا أن نلتف حول هذه النقطة المعيَّنة. ولكن الظاهر أنَّه إذا ابتدأت اللجنة الفنيَّة كما يحدث في بعض المرَّات تملي باقتراحات علينا لكي نأخذها في وجهة نظرنا، فإنِّي أرى أنَّ هذا لا يتَّفق أبداً وما نسمِّيه باللجنة الفنيَّة للدستور. ولهذا السبب يا سيِّدي الرئيس ولهذه الأشياء مجتمعة أيَّدت الاقتراح المقدَّم من العضو المحترم، وأيضاً يا سيِّدي الرئيس أودُّ أن نضع نصب أعيننا – كما ذكر أحد الأعضاء – التجرُّد من عواطفنا الحزبيَّة وعواطفنا الخاصة، حتي نُخرِج للشعب السُّوداني دستوراً معبِّراً لا تكون فيه جراثيم تجوس في قلوب بعض النَّاس. هذا ما أودُّ أن أقوله وشكراً جزيلاً.”
ومن خلال مداخلة الأب غبوش إيَّاها نصل إلى قصارى الكلام أنَّ اللجنة الفنيَّة للدستور استمرأت إستراتيجيَّة التغافل لتمرير المواقف، وتأليف القلوب. ومن هنا برزت إستراتيجيَّة “الذكاء العاطفي” في تلك المواقف الحرجة، حيث أنَّ فكرة الذكاء العاطفي تنطلق من عاملين مهمين رئيسين: الأوَّل هو العقل، حيث مصدر الأوامر والإلهام والتفكير والتقرير، والثاني هو القلب، حيث مصدر المشاعر والحب والميول والرغبات.
وللحديث بقيَّة،،،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.