العميد الثاني: (السادة ألميني)..!!!
اليوم الخميس لا سياسة ولا فلول….وإذا قال بعض النقّاد أن أحمد المصطفى هو (فنان العصر) فلم يغالوا بالنظر إلى توهجه في مرحلة انعطاف نصف القرن العشرين نحو الاقتراب من عهد جديد محوره استقلال البلاد.. وقد كان أحمد المصطفى قبيل ذلك يغني في معسكرات الجنود السودانيين الذين كان اندغامهم في قوات الحلفاء يحمل الوعد بتقرير المصير.. ثم وهو الفتى القادم من (الدبيبة) بغير أن ينال نصيباً من (التمدرُس) كما يقول صديقه السفير بشير البكري، يدخل مباشرة إلى عصر الأناقة الحضرية الخرطومية ويتخطاها ليلتقي بمحمد عبد الوهاب رمز الارستقراطية الغنائية المصرية الذي لا يختلط بالعامة.. ثم يلتقي بأحمد رامي شاعر الشباب وشاعر“الست أم كلثوم” وعاشقها (من جانب واحد)…! بل ويغني لرامي (راحل مقيم) ومطلعها “حبيب لستُ أنساه“..ويغنيها بفصاحتها الجميلة: (نأى عني وغادرني.. وفي الأحلام لقياهُ / وفي الروض أزاهير…تحاكيه وأمواهُ .. محاسن هذه الدنيا..كتاب أنتَ معناه)..! وقد سار العميد في شوط مماثل عندما غني ما فات على الحركة الفنية اللبنانية (بكل كبريائها) أرق ما يُقال في الحنين إلى الأوطان: (وطن النجوم أنا هنا..حدِّق أتذكر من أنا)..؟ هذه القفزات قادته إلى أن يشارك صباح (شحرورة العرب المدللة) في أوج سطوعها أغنية “رحماك يا ملاك” ويقاسمها الأغنية (النص بالنص) تحت أضواء السينما المصرية في عنفوانها..كل ذلك وهو لم يكد ينفض غبار رحلته من (الدبيبة) حيث كان يردد أغاني (خاله) أحمد محمد الشيخ “الجاغريو” الذي كان شاعراً ومغنياً جوالاً لا يستقر له قرار: (طار قلبي مني/ والسادة ألميني/ وسميري الفي ضميري/ وحبيبي أنا فرحان/ ويا رائع جفيتني وأنا ضايع/ والهادية راضية) وهلمجرا..
لا يمكن تجاوز تأثير بيت الإبداع والأعمال التجارية والأدب (آل أبو العلا) على العميد وما طبعته هذه الأسرة عليه من تقدير الذات والاتيكيت و(الرويالتي)..!. ثم كانت توأمته الفنية مع أبن الأسرة حسن عوض أبو العلا الذي صاغ حياته (التراجيدية) بحيوية حلوة أضافت إلى مكتبة الغناء السوداني رافداً من الصدق الفني: (بطرا اللي آمال وغايه.. ما بتحمي المقدور وقايه) و(أبكي وأشكي لمين/ أنا قلبي ديمه حزين)..!
لأحمد المصطفى قصة طويلة في رفع درجة ومستوى المطربين وهو ما ألزم به مجايليه من أهل الفن بصرامة وجدية ليكسبوا الاعتبار والاحترام وارتفع بهيئة وهوية المطربين وشدد عليهم بالمحافظة على السلوك القويم وألا ينزلقوا إلى إهانة النفس أمام الفلوس أو الطعام أو إهمال الهندام ونظافة وأناقة الملبس؛ كما كان له تأثير كبير في العمل النقابي الخاص بالفنانين وسار على أساس قلائل منهم (على الماشي) إبراهيم الكاشف وحسن سليمان الهاوي ومحمد آدم أدهم (صاحب مقطوعة الأدهمية) ..وأدهم هذا “عالم تاني“.. فهو طبيب ومؤلف موسيقي وصحفي وكاتب ومصلح اجتماعي وسياسي (وعندو عيادة) وعضو مجتمع مدني ومدرب في الإدارة والفيدرالية و(حاجات تانية)..عليه الرحمة !
وما يؤكد ربط العميد بين عهدين من الغناء مع آخرين أنه غنى لبعض فرسان (الفترة الانتقالية): أحمد إبراهيم الطاشياعظيم.. أنت في القلب مقيم.. وبآلامي عليم.. ونسيم الصبح ينبيك بوجدٍ مستديم..الخ) وللصاغ محمود أبوبكر (زاهي في خدرو) ولأحمد إبراهيم فلاح (عيوني هم السبب في أذايا)..ولخالد أبو الروس (ما أحلى ساعات اللقا)..ولطه حمدتو (الوسيم القلبي رادو) وقد كان للعميد الأول سرور تأثيره الذي لا يخفى على أحمد المصطفى..وهناك أغنيات خوالد مثل “بنت النيل” و“فتاة الوطن” و“أنا أمدرمان” وأغنيات رائعة أخرى مثل (حياتي حياتي) لمبارك عبد الوهاب و(في سكون الليل) لمهدي الأمين..وهما غريبتان شوية لأن مبارك ومهدي من شعراء الأغنية الوااااااحدة….إنما أيه..؟!!!