اللبخ: فتوة في رفقة غراء
كتب: د. عبد الله علي إبراهيم
.
(هـذة مقالة عن اللبخ الفتوة الذي روع أم درمان في عقود القرن العشرين الأولى. واسترعى انتباهي ذكره في دوائر الصفوة. فجاء المؤرخ ريشارد هيل، مؤلف الكتاب المعروف عن العهد التركي في السودان وغيرها، نبذة عنه في كتابه الذي عرّف فيه برموز الصفوة من السودانيين وغير السودانيين في تاريخ السودان. كما دارت حول اسمه وصفته خصومة بين الشريف الهندي ومحمد أمين حسين من الختمية في انتخابات الجمعية التشريعية في ١٩٤٨. واستلطفت ذكر هذا الرجل من صفوة قاع المدينة في أوراق صفوة المدينة.
لم أصدق عيني وهي تقع على اسم “اللبخ”، الفتوة المعروف بام درمان، في أروقة كتاب “معجم شخصيات السودان” للمؤرخ للسودان ريتشارد هل (1901-1996) صاحب كتاب “مصر في السودان” عن الفترة التركية في السودان وكتب أخرى. ومن بينها كتابه الطريف الأخير (1995) عن الكتيبة السودانية التي بعث بها خديوي مصر في 1863 إلى المكسيك بطلب من امبراطور فرنسا نابوليون الثالث الذي كان وقف بجانب ملك المكسيك، مكسمليان، ضد الثورة الجمهورية الناهضة بوجهه. وعاد من أولئك الجنود من سلم إلى مصر فالسودان بعد انسحاب فرنسا من المكسيك. وقد استصفى الفرنسيون الجند السوداني لوقايتهم الطبيعية من الحمى الصفراء التي فتكت بالجند غيرهم.
جاء ريتشارد إلى السودان كموظف بمصلحة السكة الحديد عندنا في 1927 وكتب من خبرته فيها مؤلفاً غير مشهور عن تاريخ المواصلات في السودان. ونزل المعاش في 1945. وقضى فترة منها محاضراً أول للتاريخ بكلية الخرطوم الجامعية بالنظر إلى تآليفه العديدة في التاريخ. وصدرت الطبعة الأولى للقاموس في 1951. وصدرت طبعة ثانية منقحة منه في 1967. وجمع فيه سيرة 1900 من السودانيين ومن اتصل بالسودان من بلاد أخرى وعاشوا حتى 1937.
استغربت للبخ، الذي لولا كتابات الأستاذ شوقي بدري عن “شوارع” أم درمان الخلفية لما تذكره أحد. فهو لا يذكر إلا ضمن جماعة من العصبة “الأشقياء” أو “الدغاميس” مثل “كبس الجبة” وقدوم زعلان وهبّار وراس الميت ود غماس.
ومن قول شوقي فيه إنه أشهر اللصوص طبقت شهرته الآفاق واشتهر بالضخامة وقوه الجسم. وسمع شوقي عن أمه أنه كان جريئا حوصر عدة مرات ولكنه كسر الحائط، الذي تكون من صريف من خشب وقصب وبروش، وهرب. واتصف بالجسامة فأطلقوا عليه اسم اللبخ ذلك الشجر الباتع. وصار سنة إطلاق اسم اللبخ على الرجل الجسيم المتين حتى أن جاراً لشوقي اشتهر باسم اللبخ حتى نسي الناس حقيقة اسمه.
استعجبت للمؤرخ رتشارد يزج باللبخ بين غير الأشقياء المعتادين في زفة صفوة الحكم والإدارة والثقافة والسياسة. وبقدر ما تصفحت في قاموس ريتشارد لم أجده يذكر مثيلاً للبخ من صفوة “قاع المدينة” كما يقولون. وقال عنه إن اسمه الأصل فضل الله وعاش بالتقريب بين 1876 و1916. وعٌرِف ب”اللبخ” بين الناس. وسموه بذلك لضخامته المقارنة بشجر اللبخ كما تقدم. وهو من جوامعة كردفان في حين قال محمد خير البدوي في كتابه “قطر العمر” إنه من البطاحين. وتجند في الجيش المصري وكانت فرقته تتخذ من شمبات معسكراً. وكان يغشى المقاهي وهو ما يزال في الجندية ويلعب القمار مع رفاقه العسكر والملكية. وكان “يجر شكله” مع الكاسبين من القمار ويجردهم من كسبهم بالقوة.
وروعت أم درمان في 1913 بجرائم قتل ونهب. ولم ينسبها ريتشارد لللبخ ولكنه قال إنه فصل من الجيش في 1914 لسوء السلوك. وصار بعدها مقامراً محترفاً ولصاً بالتفرغ. ولوَّع أم درمان. وتوج ذلك بقتل أخوين هما حمزة وبشرى، أولهما قاض والآخر معلم. ولم يظهر للبخ بعد الجريمة أثر. ولكنه اعتقل في 1915 واعترف بارتكابه 22 جريمة في أم درمان وكردفان. وانتهز سانحة في القطار الذي حمله محبوساً من الخرطوم إلى الأبيض فهرب. ولكنهم القوا عليه القبض وحاكموه وقتلوه.
وقال شوقي إن الذي دل عليه هم زملاؤه، أولاد كاره، حين توارى عن الحكومة. وانتهى به الأمر بالشنق. وزاد شوقي بأنه حتى المجرمين واللصوص لم يتعاطفوا معه لأنه ارتكب جرائم قتل عدة مرات اتسمت بالقسوة والبشاعة وكانت جرائم بلا معنى. فاللبخ كان يسرق في بعض الاحيان وهو تحت تأثير الخمور. وكانت ضخامة جسمه سببه لقتل مطارديه. فهو يعرف أنهم سيلحقون به إذا ما جرى ولذا كان يقتل من تسول له نفسه ملاحقته.