المؤتمر الانصرافي !

0 89
.

* لا ادرما معنى تبديد المال والوقت والجهد في عقد مؤتمر اقتصادي يضم قوى الحرية والتغيير والمسؤولين الحكوميين وبعض الاقتصاديين ورجال المال لوضع توصيات لن تجد طريقها للتنفيذ مثل مؤتمرات كثيرة سابقة منها المؤتمر الاقتصادي القومي عام 1986 بعد سقوط نظام (جعفر نميري)، أو ربما عدم الوصول الى توصيات في الأساس بسبب الخلاف الكبير بين قوى الحرية والتغيير والحكومة حول نوع السياسات الاقتصادية التي يجب تطبيقها، فالأخيرة تدعو لتطبيق وصفة صندوق النقد الدولي ورفع الدعم عن السلع وتعويم الجنيه ..إلخ!
* بينما تعارض (قحت) بشكل مطلق خيارات الحكومة وتدعو للإبقاء على الدعم وتغيير العملة، وسيطرة وزارة المالية على المال العام بما في ذلك اموال المنظومة العسكرية واستعادة الأموال المنهوبة بواسطة النظام البائد وغيرها من المقترحات التي قد يأخذ تحقيق بعضها سنوات طويلة جدا إذا تحققت بالفعل، مثل استعادة الأموال المنهوبة المودعة خارج البلاد والتي سبقتنا الى المطالبة بها والعمل على استعادتها دول كثيرة جدا، ولم تنجح الا قلة في استعادة بعضها مثل (نيجيريا) التي نجحت بعد 7 سنوات من العمل القانوني الشاق بمساعدة سويسرا في استعادة بعض المال المنهوب خلال حكم الرئيس ساني أباتشا، ومثل (الفلبين) التي استعادت بعد 17 عاما كاملا من الوقوف امام المحاكم السويسرية 2 مليار دولار أمريكي فقط من جملة 10 مليار دولار نهبها الدكتاتور الفلبيني السابق فيرناندو ماركوس، بينما لم تنجح مصر حتى الان وبعد مرور اكثر من 9 اعوام على سقوط الرئيس المصري السابق حسنى مبارك في استعادة دولار واحد، وأظنها يئست من ذلك!
* قلت من قبل ان المسألة ليست مجرد تقديم طلب للدول الأخرى للحصول على الأموال المودعة لديها، وهنالك ( 8 ) دول على رأسها امريكا وبريطانيا وفرنسا اصدرت دليلا قبل بضعة اعوام توضح فيه الاجراءات المطلوبة لاسترداد الاموال المنهوبة، وهى اجراءات قانونية شاقة ومعقدة جدا تأخذ وقتا طويلا، تبدأ في داخل الدولة نفسها وتمتد الى الدول الخارجية، فضلا عن ان كثيرا من الدول لا تلتفت للمطالبة بإرجاع الاموال المنهوبة، ولا اعتقد ان السودان مع حالة التخبط والفوضى والضعف البادي للحكومة سينجح حتى في اتباع الاجراءات الصحيحة لاستعادة المال المنهوب دعك من استعادته ولو بعد عشرات السنين، لذلك أرجو أن نصرف النظر عن هذا الموضوع ونلجأ الى البدائل الأخرى. ليس هذا تثبيطا للهمم ولكنه تشريح لواقع الحكومة المأساوي !
* البديل الآخر بوضع اموال وشركات المنظومة العسكرية تحت إشراف وزارة المالية قد يكون أكثر سهولة، ولكنه في حاجة الى شجاعة من الحكومة والى تنازل من الطرف الآخر، ويمكن الاتفاق بين الطرفين على توريد الإيرادات أو الجزء الأكبر منها الى وزارة المالية مع خضوع حسابات الشركات العسكرية الى ديوان المراجع القومي على أن تظل الإدارة تابعة في الوقت الحالي للمنظومة العسكرية خاصة في الصناعات والاعمال التي تستدعى السرية، وأيلولة البقية لوزارة المالية وأجهزة الدولة الأخرى، فليس هنالك معنى لبقاء مسالخ لحوم ومصانع ادوية ومزارع لإنتاج الأعلاف ومناجم ذهب تحت إدارة وإشراف القوات المسلحة أو الدعم السريع أو الشرطة أو المخابرات، بدون أن يعرف أحد ماذا يحدث فيها!
* وعلى ذكر الدعم السريع والمهزلة التي حدثت قبل بضعة أيام فيما اطلق عليه اسم مشروع (قدح الأميرة) الذى أقامته نساء حزب الأمة لجمع التبرعات لمنكوبي الفيضانات والسيول (وهو في حد ذاته مشروع خيّر)، وأُعلن فيه عن تبرع حميدتى بمبلغ 22 مليون (مليار قديم) قبل ان يتراجع فيما بعد ويعلن في بيان مشترك مع حزب الأمة أنه تبرع ب (2 مليون) فقط ويطالب باستعادة بقية المبلغ، الامر الذى يدل على سيولة الأوضاع في البلاد والتلاعب بالمال العام بواسطة أشخاص، فلماذا لم يتم إعادة هيكلة قوات الدعم السريع حتى اليوم وضمها بكل ما تملك من قوات وعتاد وأموال الى القوات المسلحة حسب ما نصت عليه الوثيقة بإجراء اصلاح في الاجهزة العسكرية، أم ستظل قوات الدعم السريع جيشا موازيا للجيش السوداني مثل جيش حزب الله في لبنان، يتحكم في كل شيء ويفرض إرادته على البلاد ويتصرف في أموالها كما يحلو له؟!
* ليس من المجدي عقد مؤتمر اقتصادي في الوقت الحالي تحت ظل الفوضى التي تعيشها البلاد والضعف الحكومي الظاهر، والخلاف الحاد في وجهات النظر، وسيطرة العسكر على مقاليد الحكم والسياسة والاقتصاد والمال وكل شيء .. إنه مجرد انصراف عن القضايا الاساسية وتبديد للوقت والمال!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.