المسيرة !
كتب: زهير السراج
* رغم الاوضاع السيئة التي تعيشها البلاد بسبب الازمة الاقتصادية الخانقة وغلاء المعيشة والافلاس الحكومي وانهيار قيمة الجنيه، وعدم اكتمال مؤسسات السلطة الانتقالية والفشل الذى يلاحق ملف السلام واستمرار النزاعات القبلية المحلية والصراع داخل تحالف القوى السياسية والمدنية الداعمة للثورة وسيطرة الجنرالات على السلطة والمال، إلا أن الفرصة لا تزال سانحة لنجاح الفترة الانتقالية والانتقال الى النظام الديمقراطي بسهولة، ولكن بشرط إيقاف الانهيار الاقتصادي وتدهور قيمة الجنيه وكبح جماح التضخم وغلاء المعيشة، أو بتعبير آخر (حدوث استقرار اقتصادي)، بالإضافة الى وجود معادلة سياسية معقولة تحقق توازن القوى بين المدنيين والعسكريين الذين تجاوزا الدور المرسوم لهم في الوثيقة الدستورية بمراحل بعيدة، إذا احتكروا إدارة كل الملفات المهمة في البلاد مثل الملف الأمني والملف الاقتصادي وملف السلام والحكم الولائى، ويتحركون الآن للسيطرة الكاملة على ملف العلاقات الخارجية، إن لم يكونوا قد سيطروا عليه بالفعل بمساعدة حلفائهم الإقليمين، ومن ملامح ذلك الزيارات الخارجية المتعددة للبرهان قبل جائحة كورونا ولقائه في فبراير الماضي بنتنياهو في (كمبالا) بتخطيط من الأمارات، والزيارة الأخيرة لحميدتى الى أديس أبابا للتفاكر مع رئيس وزرائها حول أزمة سد النهضة، بإيعاز من مصر!
* غير أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي وحدوث الموازنة المطلوبة ليس من السهولة بمكان، إذ يتطلب وجود حكومة قوية قادرة على فرض إرادتها والقيام بالدور التنفيذي المطلوب منها المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، مستفيدة من الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الدكتور حمدوك رغم تراجعها في الفترة الاخيرة بسبب غلاء المعيشة الطاحن والنقص الحاد في الخدمات الاساسية مثل الكهرباء والماء ..إلخ!
* لعل المسيرة التي دعت لها بعض القوى السياسية والمدنية ولجان المقاومة في (الثلاثين من يونيو الجاري) الذى يصادف الذكرى الأولى للمسيرة المليونية التي أرغمت المجلس العسكري (السابق) على الجلوس والتفاوض مع قوى الثورة والوصول الى اتفاق سياسي لتقاسم السلطة، تعيد الألق للثورة وتجدد الثقة في الدكتور حمدوك، وتُشكّل نوعا من الضغط على (المكون العسكري) بحيث يصبح أكثر قابلية للتفاهم حول بعض القضايا المهمة مثل قضية الشركات والأموال الضخمة التي يسيطر عليها الجيش وقوات الدعم السريع (كلٌ على حدة)، وأيلولتها أو أيلولة بعضها (ذات الطابع المدني) لوزارة المالية مثل شركات التعدين والمطاحن والمسالخ ..إلخ، بالإضافة الى خضوعها للنظام الضريبي وإلغاء الإعفاءات الضخمة التي تتمتع بها، وهو ما يمكن أن يرفد الحكومة بالكثير من المال، ولقد تم فتح هذا الملف من قبل وسمعنا تصريحات متفائلة بشأنه من وزير المالية ولكن بدون تقدم يُذكر!
* لتحقيق تقدم في هذا الأمر، يجب على الحكومة اقناع شركائها في الخارج للضغط على السعودية والامارات ليضغطا بدورهما على العسكر للتنازل عن هذه الشركات والاموال لصالح الدولة، بالإضافة الى ايفاءهما ببقية تعهداتهما المالية بعد سقوط النظام البائد (مليار ونصف مليون دولار)، فضلا عن إقناع الشركاء الاوربيين أنفسهم بدفع ما التزموا به سابقا، وتقديم المزيد من المساعدات خاصة مع عودة الروح مرة أخرى الى ما يعرف بـ(مؤتمر شركاء السودان) الذى يُتوقع ان يبادر أعماله من جديد يوم غد الخميس (25 يونيو، 2020 ) بمدينة برلين الألمانية .. ولا بد هنا من التذكير ان السودان في حاجة الى مبلغ يقدر بحوالي 6 مليار دولار في الوقت الحالي لإيقاف التدهور في قيمة الجنيه ودعم الفئات الفقيرة في المجتمع لمواجهة غلاء المعيشة الفاحش وتحقيق نوع من الاستقرار الاقتصادي المطلوب، وهو ما يمكن أن يتوفر من رفع الدعم كليا عن الوقود والقمح (4 مليار دولار)، والحصول على باقي المبلغ في شكل منح ومساعدات من الخارج !
* لكى تكون هنالك حكومة قوية وقادرة، لا بد من وجود سند تشريعي تعتمد عليه في إصدار التشريعات المطلوبة والقيام بدوره كجهاز رقابي، ووجود سند تنفيذي مدنى تعتمد عليه في إدارة شؤون الولايات بدون تباطؤ أو انتظار التعليمات من جهة ثالثة، وبالتالي لا بد من تكوين المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين بأسرع ما يمكن، بالإضافة الى إجراء تعديل وزاري عاجل، بعد أن ثبت ضعف التشكيلة الحالية، والاستعانة بوزراء أقوياء أصحاب خبرة سياسية وإدارية كافية لملء مقاعدهم والقيام بأعمالهم بالشكل المطلوب، وإعطاء قيمة إضافية للحكومة ومجلس الوزراء وأي مكان آخر يتواجدون فيه!
* قد تكون المسيرة المليونية المرتقبة هي الفرصة الأخيرة لقوى الثورة والدكتور حمدوك لتصحيح المسيرة واستعادة التوازن المطلوب والتقدم الى الامام لتنفيذ مهام الفترة الانتقالية وتحقيق متطلبات الانتقال الى النظام الديمقراطي .. وإخراس ألسنة الحاقدين تُجار الدين وإيقافهم عند حدهم !