الموقف من العلمانية

0 80

كتب مستور أحمد محمد – نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني:

هنالك عدة مداخل لمناقشة مسالة العلمانية، من حيث النشأه والتطور، والموقف من الدين والعلاقة بين قضايا الدين بالمعرفة العلمية، وعلاقة الدين بالدولة والأفراد والمجتمع. سياسياً، العلمانية مرتبطة بقضية الهوية والمواطنة ولا يمكن معالجة هذه القضايا إلا من خلال علاقة الدين بالدولة .

تاريخياً حسمت النُّخب السياسية هوية الدولة منذ الإستقلال فكانت ردة الفعل الطبيعية هي الحرب، التي بدأت بالجنوب وبقية المناطق التي لا زالت تحت وطأته ، ثورة ديسمبر عظمت فُرص تصحيح المسار السياسي ، لأول مرة في تاريخ السودان تُعطَى ألألوية للسلام وأن تكون الأطراف المتحاورة متفقة على مُجمل القصايا، بما في ذلك قضية علاقة الدين بالدولة .

فالمطروح الآن بخصوص علاقة الدين بالدولة في طاولة التفاوض، متفق على محتواه من قبل جميع الأطراف، والاختلاف انحصر في مسألة النص الصريح من عدمه ، فبينما الحركة الشعبية مصرة على وضع نص (فصل الدين عن الدولة) هنالك بعض الأطراف في الجانب الحكومي ومكونات الحرية والتغيير ترى عدم النص عليه، ولكن لنرى بعض المبررات ، أولها : السؤال، “لماذا الإصرار على النص على فصل الدين عن الدولة؟”.

هذا السؤال مردود ، ببساطة لأن هنالك مشروع ديني وهو احد الأسباب الأساسية للحرب ، وعليه يجب أن يرتد السؤال على سائليه؛ وهو لماذا رَفْض النص صراحة على فصل الدين عن الدولة رغم الإتفاق على محتوى ذلك ؟، الإجابة الشائعة، هي أن هذه القضية يجب أن تكون ضمن قضايا المؤتمر الدستوري .

هذا المُبرِر لا يصمد لأن إسلامية الدولة من الأساس لم تتم في مؤتمر دستوري ولم يشارك الشعب السوداني في أي قرار من هذا النوع، بل ولم تُطرح تاريخياً مسألة علاقة الدين بالدولة كقضية عامة تَهُم الشعب السوداني كله ، فأصحاب هذه الحُجة يراهنون على أن إسلامية الدولة محسومة والمؤتمر الدستوري هو فرصة لقفل الباب أمام أي توجه غير ذلك.

أيضاً من المبررات المُساقة ، أن غالبية السودانيين مسلميين وسوف يرفضوا ذلك ؛ ينطوي هذا التبرير على فهم سالب وموقف مسبق من العلمانية، شاركت في تسويقه غالبية النُّخَب السياسية التي تعاقبت على الحُكم واستغلت وجودها في السلطة لتعميق هذا الفهم وتكريسه عبر مؤسسات الدولة والخطاب السياسي، حفاظاً على إلأيديولوجيا الرسمية .

كذلك ينطوي هذا التبرير على الإهتمام بمشاعر من يُتَوقع أن يرفضوا دون أدنى مراعاة لمشاعر الضحايا الذين أكتووا بمآلات المشروع الإسلاموي قتلاً وتشريداً وكل صنوف المآسي، فالضحايا أولى أن تُراعَى مشاعِرهم وتُخاطب قضاياهم وأن يُرَد الإعتبار لهم عن المظالم التاريخية التي وقعت عليهم .

أخيراً يرى البعض أن هذه القضية خلافية لجهة أن بعض مكونات الحرية والتغيير لن تقبل أن يُنَص صراحةً، على فصل الدين عن الدولة، رغم اتفاقها على المحتوى. وهذه واحدة من علل السياسة السودانية ، أن يكون البرنامج السياسي والإيديولوجيا الحزبية مقدمة على مصلحة الوطن، فكيف تُقدم المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وخاصة عندما يتعلق الأمر بوحدة الوطن؟

هذا ما قاد إلى انفصال الجنوب وما زال يهدد وحدة السودان، وعليه يجب أن يتم إتخاذ قرار تاريخي بالنص على فصل الدين عن الدولة، إذا كان المقابل تقرير المصير ، فأزمة النُّخبة السياسية هي عدم القدرة أو (الرغبة احياناً) على إتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، فحان الوقت لوضع الأساس لدولة المواطنة والحقوق ، التي يتساوى فيها جميع السودانيين ، لقفل الباب وإلى الأبد أمام أي فرصة للتشظي .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.