برهان وحمدوك وحميدتي وبينهم نحن!

0 104

كتب: منعم سليمان

.

الكراهية هي أكثر المشاعر التي تجعل الإنسان ينزع إلى الوحدةِ، حيثُ تأخـذ الشخص إلى نفسهِ فقط فتلهيهِ بهـا، وتُنسيــه كل ما/ ومن حوله، وتقتـل في دواخلـه المشاعر والأحاسيـس، فيصبح الشخص الذي تُحركه الكراهيـة؛ دون المبـادئ، جُـزءًا لا هويّة له، يتحرق رغبةً في الالتحـامِ بالأجـزاء التي تشبهـه، فينتهـي به الأمر إلى البحـثِ عن كارهيـن و(كريهيـن) آخـرين ليتحـالف معهـم.

والمُحصّلة النهائية ان هذه الكراهية تجعل ذلك الشخص يتخلى عن كل القيِّم النبيلة التي ظلّ يُدافع عنها وينافح من أجلها، فُيعيد دون أن يدري صياغة نفسه على صورة الشيطان، ويتحول إلى ما هو أسوأ ممن ينتقدهم!
أتمنى لو كنت أنا كاتب هذه الموعظة الأخلاقية العظيمة، ولكنني أنقلها من نسخة مهترئة لكتاب – لا أزهد من التعريف به- موسوم بـ(المؤمن الصادق: أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية) تأليف “إيريك هوفر”، وترجمة “غازي القصيبي”، وهو شاعر ومثقف ودبلوماسي سعودي ألمعي. اشتريت الكتاب من بائع كتُب جائل ألّح عليّ دون سائر خلق الله من السابلة بشوارع القاهرة، وفقدته لاحقاً بعد أن استعاره مني أحد الأصدقاء ولم يرجعه حتى لحظة كتابة هذه السطور، وهو صديقي العزيز “مبارك أردول” – حارس ذهب الدولة- وقد قيل قديماً: ” كل كنز يحرسه جان”.

سبب كل هذا الاستطراد هو مناخ الكراهيِّة الذي أصبحت تمتليء به وسائل التواصل الإجتماعي في بلادنا، وحملات التشهير والتخوين وحفلات الشواء المجانيّة التي تُقام على أجساد وأرواح وسمعة الناس؛ على نحوٍ تحولت فيه بعض الصفحات إلى “كتائب ظل” جديدة، تقتل بلا تردد وتُشهِّر دون تثبت وتقذف دون أن تعرف!

بالأمس أرسل لي أحدهم مستسفسراً عن ما أسماه التحول في كتاباتي و”مهادنتي” رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان – أي والله قالها هكذا- وكأنني كتبت عهداً وميثاقاً معه بأن انتقد البرهان على مدار الساعة وطوال الحياة، وكأنني معد وكاتب لـ(برنامج ما يطلبه المستمعون)، وكأن مهمة الكاتب الصحفي أن يظل على موقف واحد من المسؤول ناقداً وناقماً عليه، وكأنه يجب على الكاتب أن لا يغير موقفه بتغير الأحداث والمواقف! وأنا لم، ولا أكتُب ضد البرهان لأنه البرهان، فلا أنا أعرفه ولا هو يعرفني، وليس بيننا أي نزاع شخصي، والأمر لا يتعلق بشخصه؛ وإنّما بمواقفه، فكُلما قال أو فعل ما من شأنه دعم مسيرة الإنتقال والتحول الديمقراطي يظل محل دعمي وموضع تقديري وإشادتي، والعكس صحيح، وكذلك الأمر مع رئيس الحكومة د. حمدوك بشأن عمل حكومته، وأيضاً “حميدتي” والذي أقنعني بأفعاله وأعماله قبل حديثه التزامه التام بمسيرة التحول والانتقال، وإذا تغيّر هذا الموقف فلن يجد مني سوى ما يتطلبه الموقف الجديد.

إنّ هذه الأفكار والتصورات السطحيّة البائسة التي صارت ِسمة ملازمة لمواقع التواصل الإجتماعي لدينا (واتس آب، فيسبوك) هي نتاج مرحلة ما بعد الثورة التي شهِدت دخول جماعات جديدة لا علاقة لها بالسياسة ودهاليزها، تُفسرْ السياسة بمعايير التجارة والرياضة والعلاقات العاطفيّة، فأفسدوا السياسة كما التجارة والرياضة وحتى العاطفة، وشوهوا التواصل ومواقعه التي أصبحت طاردة لكل من يحرص على أن تظل مكارم الأخلاق باقية بين الناس، بل جعلت البعض يتبنون الرأي الصارخ للأديب الإيطالي العالمي “أمبرتو إيكو” بكلِ ما يحمله هذا الرأي من إطلاق وعسف، وهو القائل: ” وسائل التواصل الاجتماعي منحت حق الكلام لفيالق من البلهاء والحمقى، ممن كانوا يتحدثون في البارات بعد شرب كأس من النبيذ، وكان يتم زجرهم واسكاتهم، أما الآن فصار لهم حق الحديث والإدلاء بآرائهم مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، انها غزوات البلهاء والحمقى”.
نعم انها غزوات البلهاء والحمقى!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.