بصمات نوبية في لغتنا وحياتنا
كتب: جعفر عباس
أذكر القراء بما سبق ان كتبته عن طقوسنا نحن النوبيين في الأفراح والأتراح، وما بها من أثر واضح من الديانات النوبية والكوشية والمسيحية: رسم الصليب على جبهة الوليد بنقط من دم الأم، وعلى صومعة تخزين الغلال (القسي/القسيبة)، والاستعاذة من الشر بعبارة “ماريا مي”، المتداولة في الكثير من اللغات الأوربية المعاصرة، وأسماء ايام الاسبوع: سانتي ليوم السبت (القديس في الكثير من اللغات الأوربية هو سانت او سينت او سان) وكراقي ليوم الأحد (كرياكي باليونانية)، ومسوقو ليوم الجمعة، وتتألف الكلمة من شطرين هما مسي وتعني الصوم و”أوقو” وتعني “يوم”، ويوم الجمعة هو يوم الصوم في الكنيسة الشرقية، والاحتفال بعاشوراء كان يتم قرب شاطئ النيل، حيث كانت العائلات تجلس في حلقات حول صحون الطعام الشهي، ولكن اول لقمة من كل صحن كانت تُرمى في النيل، النهر الإله، مصدر الخير الذي لابد من نيل “مرضاته”، وبعد دفن الميت، كانوا ينصبون على القبر مظلة من جريد النخل، وفي الأعياد يضعون التمر والكعك والحلوى قرب رأس الميت (القبر).
كانت هناك ثلاث ممالك نوبية مسيحية في السودان: مملكة نوباتيا في الشمال وعاصمتها فرس، وفي الوسط مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا العجوز، وفي الجنوب مملكة علوة وعاصمتها سوبا، وكان بها وحدها 400 كنيسة، وحدث خراب سوبا على يد تحالف بين العرب والفونج بقيادة عمارة دنقس وعبد الله جماع حيث تم تدمير الكنائس والبيوت ونهب الأديرة لتأديب النصارى.
وتأثير الثقافة النوبية ما زال واضحا في عموم السودان الأوسط فغمس الطفل الوليد في النيل هو طقس التعميد المسيحي، وسير العرسان (السيرة) الى النيل لغسل وجهيهما بمائه طلبا للخصوبة (الذرية)، وكانت العادة عند المحس أن ينزل العريس الى النهر ويسبح فيه لبضع دقائق، وإلى يومنا هذا تقوم بعض النساء النوبيات بإلقاء مشيمة وأدوات تنظيف كل مولود في النيل، بل إن طباعة الكف بدم الذبيحة علي مدخل البيت من عادات المقرة المسيحية وتستخدم في كرامة عودة الحاج من بيت الله الحرام، وحتى تشييع الميت الى المقابر على “عنقريب” مأخوذ عن قدماء النوبيين، وهناك رسومات كثيرة لموتى على “عناقريب” أطرافها وقوائمها خشبية ومنسوجة بسيور من الجلد في معابد وقلاع نوبية بينما المسلمون في معظم الدول الأخرى يحملون الجثامين في صناديق.
وهناك العديد من الكلمات تجدها في قاموس بيدج وموسوعة ويكبيديا تثبت ان العديد من المفردات في العامية السودانية كوشية الأصل وإليك بعضها:
= كر: دفعا لفعل او قول غير طيب وكر هو إله الأرض ومستودع جثث الموتى.
= بِس بكسر الباء تعبيرا عن الاستياء والاستنكار، والإله بس هو إله الفجور عند الكوشيين (تغازل فتاة فتقول لك: بِس).
= دودو: (خطفو الدودو)، وهو إله الشر في ديانة وادي النيل القديمة.
= وووب: وهو كبير الكهنة المختص بتحنيط الموتى لدي قدماء الكوشيين اسمه ووب.
= واااي: كلمة تقال عند الفزع والخوف الشديد ووردت بنفس المعني في قاموس بيدج.
= شو: جا ماشي او جاري “شو”، وشو هو إله الهواء والفضاء.
= كعب وردت في قاموس بيدج بمعني سيء.
والكلمات التالية أيضا يعود عمرها الى آلاف السنين: جر لزجر الكلب، وبرش انبرش بمعنى سقط على الأرض، ودِّي (ودي الشاي للضيوف) و خرت :بمعنى استولى على الأموال في منافسة، وبق النور، وسيك سيك (معلق فيك)، وحُق حفظ العطور الجافة، ودقش (دقش الدرب أي سار فيه)، وخبت خبيت (للضرب الشديد).