تجربة ثورة ديسمبر ودروسها (6)

0 46
.

ضعف الدور للعمال في ثورة ديسمبر

1

كان من نواقص ثورة ديسمبر ضعف الدور القيادي للطبقة العاملة، رغم مشاركة موكب العمال في المدن والمناطق الصناعية يوم الأحد 24 مارس 2019 الذي رصدناه في وقته ، واعطي دفعة قوية للثورة ، وكان من أسباب ضعف الدور القيادي للعمال في الثورة استهدافهم الكبير من النظام الإسلاموي الطفيلي الذي دمر المشاريع الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية وشرد الالاف من العاملين في السكة الحديد والنقل النهري والمخازن والمهمات والخطوط الجوية والبحرية والموانئ ، وآخرها كانت محاولة الصفقة الفاسدة لايجار الميناء الجنوبي التي تشرد العاملين بالميناء الجنوبي التي قاومها العاملون فضلا عن التفريط في سيادة البلاد ، كما شرد الالاف من العاملين بمصانع النسيج والمحالج والسكر والمدابغ ومصانع الأسمنت.الخ.

اضافة للعامل الذاتي مثل: ضعف التنظيم وغياب تجمع العمال الذي يوحد مجموع العاملين وغياب التحالفات العمالية النقابية والتنظيمات الديمقراطية مثل: الجبهة النقابية في التحالف الذي تصدي لقيادة الثورة،. علما بأن الطبقة العاملة لعبت دورا كبيرا في انتزاع نقابات العاملين، فقد انتزع العمال تنظيمهم النقابي هيئة شؤون في السكة الحديد عام 1946 ، وقانون النقابات للعام 1948 الذي كفل حق التنظيم النقابي وانتزعوا اتحاد العمال في العام 1950.

2

اضافة الي أن القطاع الصناعي كان يعاني من مشاكل مثل: الطاقة، ضعف القدرات التسويقية، مشاكل متعلقة بالتمويل سواء المكون المحلي أو الأجنبي لتوفير قطع الغيار، مشاكل القوانين المتعلقة بالاستثمار.الخ، علي سبيل المثال : أشار المسح الصناعي ( 2001 ) إلى توقف 644 منشأة صناعية ، ومن الأمثلة لتدهور بعض الصناعات : * صناعة الزيوت والصابون عملت بنسبة 16 % من طاقتها التصميمية ( تقرير بنك السودان 2003 ). * والمثال الآخر صناعة الغزل والنسيج : بلغ عدد مصانع الغزل 15 مصنعا ، العامل منها 6 مصانع فقط ، كما بلغ عدد مصانع النسيج 56 مصنعا ، العامل منها 4 مصانع فقط ، كما تعمل مصانع الغزل بنسبة 5,4 % بينما تعمل مصانع النسيج بنسبة 5 % من إجمالي الطاقة الإنتاجية ( تقرير بنك السودان 2003 ) .

كما أوضح المسح الصناعي لولاية الخرطوم الذي تم عام 1997م أن اكثر من 60% من المصانع معطلة والعاملة منها تعمل بأقل من 30% من طاقتها الانتاجية( الصحافة 11/11/ 2001م)

هكذا نصل إلى حقيقة تدهور القطاع الصناعي بسبب تلك المشاكل وعجز الحكومة تماما عن مواجهتها،

وكان من نتائج تدهور القطاع الصناعي أن تقلص عدد العمال الصناعيين في الصناعة التحويلية والتعدين والكهرباء والمياه والبناء والتشييد من حوالي 320 ألف في عام 1992م الي حوالي 130 ألف في عام 130 ألف في عام 2003م ، وتقلصت نسبة المرأة العاملة في الصناعات ” صناعات النسيج والأغذية” من 10% عام 1992م الي 8,5% عام 2003م (التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، ص 42- 45).

كان من نتائج تشريد العاملين بسبب الخصخصة، وتدمير مؤسسات خدمية عريقة مثل : السكة الحديد التي تقلص عدد العاملين فيها من 31,200 عام 1989م الي 11.250 عام 2003م ( صحيفة الميدان ، فبراير 2003م). .

وتقلص عدد العاملين في قطاع النسيج من 30 ألف عامل مطلع التسعينيات الي 8 ألف عامل فقط عام 2001م ( صحيفة الايام: 4/ 9/2001م، تقرير رئيس غرف النسيج د. الفاتح عباس). كما بلغ عدد المتأثرين بخصخصة مؤسسات القطاع العام 32 الف عامل وموظف عام 2004م ( صحيفة الايام 14/ 4/ 2004م).

كما بلغ عدد العاملين في القطاع الأهلي للتنقيب عن الذهب اكثر من 200 ألف عامل يعملون في ظروف بيئية وأمنية قاسية، رغم مليارات الدولارات عائد الذهب التي يتم يهربها النظام النظام الطفيلي الفاسد للخارج..

ايضا تدهور التعليم الفني والتدريب ، وظهور العمالة الأجنبية في البلاد ( هنود، بنغال، مصريون، اثيوبيون..الخ)، علما بأن العطالة بين الشباب بلغت 1,4 مليون عاطل عن العمل، أي 15% من قوة العمل في البلاد” 15- 24 سنة”، كما بلغت نسبة العطالة بين خريجي الجامعات 49% ( صحيفة الأيام : 4/11/ 2001م). وفي ظروف يضرب فيها الفقر 97% من السكان، ويستحوذ 2% من السكان علي 88% من الدخل القومي( الأيام: 30/ 9/ 2001م).

اضافة للاستغلال البشع والاوضاع السيئة الذي كان يعاني منها العاملون والنساء والأطفال في المصانع والمؤسسات في ظروف مصادرة الحقوق والحريات النقابية، وفرض نقابة المنشأة بدلا عن نقابة الفئة، والفصل والتشريد من العمل.

3

بالتالي هناك ضرورة لبناء تنظيمات العمال النقابية المستقلة والديمقراطية، وتكوين اتحادهم المستقل، وتنظيم العمال الزراعيين في المشاريع الزراعية المروية والمطرية، وانتزاع اتحاداتهم مع اتحادات المزارعين والرعاة ،والدفاع عن مصالح وحقوق العاملين وتحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والثقافية، والحق في العلاج وتعليم أبنائهم والسكن.. الخ، فقد تدهورت تلك الأوضاع كثيرا بعد الثورة ، بعد سير حكومة الشراكة الحالية في تنفيذ سياسة صندوق النقد الدولي التي افقرت الجماهير بتحرير السلع والأسعار والتخفيض المستمر للجنية السوداني والارتفاع المستمر للتضخم والأسعار حتى اصبحت الحياة لا تطاق . مما يفتح الطريق لأن يقوم العمال بدورهم النقابي والسياسي وفي إعادة تعمير البلاد والإنتاج بعد الثورة، وباعتبار تحالف العمال والمزارعين يمثل الركيزة الأساسية لضمان استمرار ونجاح الفترة الانتقالية ، ونجاح المرحلة الوطنية الديمقراطية التي تستهدف بناء المجتمع الصناعي الزراعي المتطور.

وهذا مهم بعد فشل البورجوازية والبوجوازية الصغيرة في قيادة الثورة ، وأدت لانتكاسة ثورات أكتوبر 1964 ، وانتفاضة أبريل 1985 وثورة ديسمبر الحالية التي اختطفتها قوي “الهبوط الناعم ” وسارت في سياسات النظام البائد التي يعاني منها شعبنا الآن. اضافة للتنسيق مع تجمعات واتحادات الفئات الأخري مثل: الطلاب والمهنيين والموظفين . الخ في القضايا النقابية والوطنية العامة، والدفاع عن الثورة حتى تحقيق أهدافها ، مع لجان المقاومة في الأحياء وتجمع المهنيين ، وتجمعات النازحين والمفصولين تعسفيا من المدنيين والعسكريين ، وتجمعات الأجسام المطلبية . الخ. 2

لقد لعب العمال دور كبيرا في ثورة ديسمبر 2018 ، فمنذ بداية الانقلاب قاوم العمال الخصخصة والتشريد ، وقام عمال السكة الحديد باضرابهم الشهير عام 1991 ، ضد تشريد العمال ومن أجل تحسين أجورهم الضعيفة ، وقام الإسلاموي محمد الحسن الأمين الذي كان واليا لنهر النيل ، بفصل أكثر من ثلاثة ألف عامل من خيرة العمال والفنيين المهرة ، مما أدي لتدمير السكة الحديد، لم يكتف بذلك فقط ، بل قام في عملية قذرة بتشريد العمال من منازلهم بطريقة وحشية ، لم يفعلها حتى الاستعمار البريطاني في اضراب عمال السكة الحديد الشهير عام 1948 الذي استمر 3 شهور ، حتي انتزع العمال نقابتهم وقانون النقابات لعام 1948 ، وبعد ذلك قام النظام الفاسد ببيع وتدمير أصول السكة الحديد ، والتي يجب محاسبة كل الذين قاموا بتلك الجريمة بعد الثورة ، واستعادة أصول السكة الحديد.

رغم القمع والقهر واصل العمال نضالهم من أجل تحسين أجورهم وصرف استحقاقاتهم ومتأخراتهم، واستمرت اضراباتهم رغم أن عقوبة الاضراب في بداية الانقلاب كانت الاعدام ، وانتزعوا حق الاضراب الذي تم تضمينه في قانون النقابات لعام 2009 .

كما يواصل العمال مع بقية الموظفين والمهنيين نضالهم من أجل الغاء قانون نقابة المنشأة الذي أجازه أخيرا مجلس الوزراء بعد الالتفاف علي القانون الذي توافق عليه النقابيون والذي يفتت وحدة الحركة النقابية باشتراك العضو في أكثر من نقابة !! ، واصدار قانون ديمقراطي للنقابات يكفل ديمقراطية واستقلالية ووحدة الحركة النقابية ، وضرورة عقد الجمعيات العمومية للعاملين في مجالات العمل والدراسة وتكوين لجانهم التمهيدية من أجل انتزاع دورهم والعمل من داخلها ، واستعادة نقاباتهم الشرعية ، التي تضمن استمرار ونجاح الثورة ، كما يواصل العمال نضالهم من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية التي تدهورت جراء الارتفاع المستمر في الأسعار والتضخم..

4

رغم القمع والتشريد وتدهور الأوضاع المعيشية والظروف البشعة التي يعاني منها العمال والنساء ولأطفال في المصانع والورش، ومصادرة حق العمل النقابي بالقانون ، الا أن العمال واصلوا نضالهم ، وشاركوا في ثورة ديسمبر التي بلغ عدد شهدائها المئات ، وعدد المصابين أكثر من 7343 ، وعدد المعتقلين أكثر من 2000 ، إضافة كما أشرنا سابقا لتكوين تجمع العمال والحرفيين من أجل استعادة نقابات واتحاد العمال وقيام النقابات المستقلة ، وإلغاء قانون نقابة المنشأة ، وتحرير النقابات من عناصر المؤتمر الوطني الفاسدة ومحاسبتها في نهب ممتلكات العمال ومؤسساتهم.

وجاء قطار عمال السكة الحديد لميدان الاعتصام ليستعيد الدور التاريخي الذي لعبه العمال في ثورة 1924 وفي الاستقلال وثورة أكتوبر 1964 .

كما انه من المهم أن يستعيد العمال نقاباتتهم المستقلة واتحادهم المستقل، و أنديتهم العمالية والجمعيات التعاونية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية ، ومؤسسات الثقافة العمالية . الخ التي لعبت دورا كبيرا في تحسين أوضاع العمال المعيشية والثقافية والاجتماعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.