تحت عيون التاريخ…!
كتب: د. مرتضى الغالي
.
التصريحات الأخيرة التي صدرت من المستشار العسكري للبرهان ومن رئيس الأركان لا ترقى إلى قامة الجيش السوداني وقامة الوطن وهي بعيدة بفراسخ عن قامة الثورة.. وبالأميال البحرية عن الوطنية ومعايير احترام المنصب وأكثر بعداً من المسؤولية العامة..ولا نريد أن نتقدم أكثر في بيان خطلها وتهافتها.. ولكن لا يمكن أن ندعها تمر حتى يقف الجميع (وللتاريخ) أمام هذه السقطة البلقاء في مرحلة حاسمة من مسار الوطن..! إنها تصريحات شوهاء عرجاء لا تفسير لها غير الاستعداء والتحريض على الحكم المدني والثورة.. بل هي من مهددات السلام الأهلي ومثيرات الحفائظ وجالبات القلق..! فأين منها استشعار حساسية التعبير التي تلزم مَنْ وضعتهم الأقدار في مواضع المسؤولية أن يزنوا كلامهم بموازين الذهب المجمّر..؟! المناصب العامة ذات الحساسية يجب أن يحرس أسوارها أصحاب الفطنة والوطنية والاتزان والمهنية.. وليس أوادم يتحدثون عن مصائر البلاد بخفة لا يمكن قبولها حتى من متعهدي حفلات الزار..!!
نحن هنا لا نعبث ولا نستخف بخطورة تصريحات بعض أعضاء المكوّن العسكري.. وما زلنا بين الذين يدعون إلى تحسين العلاقة بين العسكريين والمدنيين ومراعاة المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن؛ فمن الضرورة القصوى أن تمر فترة الانتقال بسلام عبر التنسيق بين المكوّنين العسكري والمدني (قدر المستطاع) مع مراعاة اختلاف المهام وتكاملها.. ولا معنى لأمور (الأوانطة) والمبارزة والترصّد.. ولكن من الخطأ الجسيم أن يهاجم منتسبو المؤسسة العسكرية الحكومة الوطنية مثل تعريض رئيس الأركان وقوله (باللفة) إن بعض بني وطننا يأتون إلينا بقانون أجنبي..!! هل هذا كلام..؟! وهل يرى أنه أعلى وطنية من الحكومة المدنية؟ وهل يعتبر دعوة الثورة إلى الشفافية وقومية الجيش والرقابة على المال العام وحماية الديمقراطية قانوناً أجنبياً واملاءات من الخارج..؟! أم إن الإنقاذ هي التي كانت تلحس حذاء أمريكا وتسلم (إخوانها في الإرهاب) للأجانب وبإيصالات من المخابرات الأمريكية..! ومَنْ الذي جلب إلى البلاد آلاف الجنود ليحرسوا الأهالي في دارفور من قادة وضباط ومليشيات الإنقاذ..؟! أين كان هؤلاء القادة الذين يطلقون الآن تصريحات الفتنة عندما كان رئيسهم المخلوع يقسم بمغلظات الإيمان إن دخول القوات الأجنبية على جثته ..ثم ظلت جثته (بسلامتها) تأكل وتشرب والطائرات العسكرية تحمل القوات الأجنبية لحماية المواطنين من قواته ومليشياته..والمخلوع جالس أمام الكاميرات يقزقز (فول الحاجات) لقتل الوقت قبل الوجبة الرئيسية.!
قيل لنا إن أصحاب الرتب العليا في الجيش في زمن الإنقاذ لا يمكن الاطمئنان إلى سلامة وطنيتهم وتأهيلهم حسب طبيعة نظام الإنقاذ في التمكين ومعادلات التقريب و(التجنيب).. ولكن كنا نقول إن بعض الوطنيين وصلوا إلى المناصب العليا بحكم كفاءتهم أو بخطأ الإنقاذ في تصنيفهم.. وما زلنا لا نأخذ كل القيادات العسكرية والمدنية بأنها من بقايا الإنقاذ إلا أن يناصروا الفلول أو يعملوا على تخريب مرحلة الانتقال أو يتبنّوا مخازي الإنقاذ وسلوكياتها في إثارة الفتنة.. وما زال هذا هو المعيار الأصوب.. وعلى المستشار العسكري للبرهان أن يراجع ما يقول فقد يصيب الوطن في مقتل ويتسبب في فتنة (يكون وقودها جثثٌ وهامُ) وكذلك رئيس هيئة الأركان.. فالمسؤولية والنخوة والوطنية والأمانة والمهنية والشرف العسكري ليست من الأمور التي يمكن الاستخفاف بها من أجل حظوة أو مجاملة ومداهنة.! ..كونوا على قدر المسؤولية فهذه الثورة (التي أطلقت الألسن الصامتة) باقية…وشباب الثورة يوصي بعضه بعضاً بأنشودة الصاغ محمود أبوبكر..(واعمد إلى دمك الذكي وجُد به…فالجلنار سياج روض السؤددِ)..!