تحرير الفشقة.. إضاعة الفرص !

0 99
كتب: محمد وداعة
.
لم أجد أي تفسير مقبول لاستضافة وفد اثيوبي في الخرطوم وفتح مفاوضات حول ترسيم الحدود اثناء احتدام المعارك واستمرار الجيش السوداني في تحرير أراضي الفشقة، خاصة وان ذلك أتى بعد تعرض الجيش السوداني لعدوان مخطط بكمين واستشهاد ضباط وجنود من أبناء القوات المسلحة، واستهانة رئيس الوزراء الاثيوبي بالحادث واعتباره أمراً عارضاً لن يؤثر على العلاقات بين البلدين ، ومن ثم القاءه بالمسؤولية على المليشيات (الاثيوبية)، بدلاً عن الاعتذار وتقديم التعازي والتعهد بعدم تكراره ، وتحمل مسؤليته بمحاكمة المعتدين ، وبدلاً من ذلك امعن في غروره بارسال وفد حكومي للتفاوض في الخرطوم.

كان طبيعياً ان تفشل المباحثات التي عقدت في الخرطوم وذلك لنكوص وتراجع الوفد الاثيوبي عن الاعتراف باتفاقية العام 1903 بين حكومة السودان واثيوبيا الإمبراطورية والتي نصت على اعتماد خط قوين اساس لتخطيط الحدود وهو ما حدث فعلاً لاحقاً عندما تم تخطيط الحدود بالاستناد على خط قوين ، وكان من المفترض أن تكون هذه المفاوضات لعمل اللجان المشتركة ميدانياً وضع العلامات الحدودية.
وكشف الوفد الاثيوبي عن اطماع بلاده بعدم الاعتراف بخط قوين ، على أساس ان الاتفاقية وقعت خلال الحقبة الاستعمارية، والجدير بالذكر أن الإنجليز وقعوا الإتفاقية نيابة عن السودان مع الإمبراطور الاثيوبي وقتها ” منليك” أي أن إثيوبيا لم تكن مستعمرة وقتها ، والسودان هو المتضرر من هذه الاتفاقية ،لأن اتفاقية 1903 ضمت بني شنقول السودانية لإثيوبيا ، لهذا يحق للسودان فقط التراجع عن الإتفاقية ان اراد ذلك ، والمطالبة في سيادته على منطقة بني شنقول، لأن الإنجليز هم من وقعوها مع حكم وطني في إثيوبيا ومن حق السودان المطالبة بها رسمياً.
ربما وقعت الحكومة في فخ الدعوات الاثيوبية لادارة حوار سياسي لحل ودي حول الحدود ، اثناء احتدام المعارك ، بينما الصحيح هو حوار فني لبدء وضع العلامات الحدودية ، كما ان السودان من حقه ان يستفيد من الفرصة التي توفرت بتحرير الفشقة لتحسين وضعه التفاوضي لاحقاً لكل الملفات بما فيها سد النهضة.
هناك معلومات وتحليلات عن موقف إثيوبيا لا يعدو عن كونه مناورة سياسية لجر السودان لتعديل موقفه من ملف سد النهضة، خاصة وان اثيوبيا لا تزال في حرب ضروس مع التقراي رغم اعلانها عن انتهاء المعارك، وعليه فان الاستنتاجات بأن الحكومة لم تحسن الاستفادة من استعادة أراضي الفشقة في تعديل مركزها الاستراتيجي ربما فيه بعض المصداقية ، وان اثيوبيا نجحت في اظهار السودان غير موحد في ملف بهذه الخطورة، ولعل الوقت لم يفت على الحكومة السودانية لاظهار بعض الحزم في مواجهة اثيوبيا ، ومغادرة حالة الضعف التاريخية، والتمسك بالسيادة على الاراضي التي تم تحريرها واعلان حالة الطوارئ الوطنية لدعم القوات المسلحة،
ان صحت الأنباء عن توجيه الرئيس الاثيوبي خطاباً مباشراً للشعب السوداني ،ففي تقديري ان رئيس الوزراء الاثيوبي ارتكب خطأ استراتيجياً بتوجيه هذا الخطاب، محاولاً التحريض ضد ما اسماهم المتهورين والمتآمرين ، مما يعتبر خرقاً للاعراف الدبلوماسية وتدخلاً في الشؤون الداخلية للسودان ، وفقاً للقانون الدولي فان السودان من حقه الرد على هذا الخطاب بالمثل او بما يحفظ حقه في المحافظة على أمنه القومي من مثل هذا التدخل السافر ، ان كان أبي احمد جاداً في دعوته للحل الودي فعليه اولاً سحب قواته ومليشياته وايقاف التحريض لتهيئة الاجواء للتفاوض لتنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود ووضع الخرائط والعلامات الحدودية ،رسالتنا للشعب الاثيوبي ان الشعب السوداني لا يرغب في حربكم ، اخرجوا من أرضنا، ولنحاول معاً بناء علاقات حسن جوار لمصلحة البلدين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.