تشريح اتفاق جوبا (2 ) !
كتب: زهير السراج
.
* بدأت أمس في تشريح اتفاق جوبا، وتناولت موضوع تمديد الفترة الانتقالية 14 شهرا بدون مبرر غير منح العسكر المزيد من الوقت لاحتكار السلطة في مقابل منح عناصر الجبهة الثورية امتيازات خرافية تناولت بعضها أمس مثل الاستثناء من عدم الترشح في الانتخابات القادمة واحتكار السلطة في دارفور و(بعض الولايات الأخرى)، وحرمان اهل دارفور منها، وخداعهم بجملة بنود يستحيل تنفيذها تحت ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد، مثل إلزام الحكومة الانتقالية بتسديد 100 مليون دولار في خلال شهر للإقليم، بالإضافة الى تخصيص 40 % من الثروة القومية لإقليم دارفور، وهى بنود مستحيلة التطبيق، الهدف الوحيد منها تضليل وخداع أهل دارفور والقارئ للاتفاقية، بأنها تراعى مصلحة الإقليم ومواطنيه !
* نأتي الآن لموضوع في غاية الغرابة وهو قسمة الوظائف القومية بنظام الكوتة، حيث نص الاتفاق على تخصيص 20 % من الوظائف في الخدمة العامة والسلطة القضائية والنيابة العامة والخارجية والسفارات لأبناء دارفور، بالإضافة الى حصول ابناء جنوب وغرب كردفان وجبال النوبة على 12.5 % من الوظائف القومية لمدة 10 سنوات، أي أن أبناء دارفور والمناطق المذكورة يحق لهم حسب الاتفاق الحصول على نسبة 32.5 % من الوظائف المشار إليها!
* نبدأ أولا بسؤال، ما هو التعريف القانوني لأبناء دارفور والمناطق المذكورة الذى سيتم بموجبه حصولهم على نصيبهم في الوظائف المذكورة .. هل هم الذين ولدوا في دارفور، أم المقيمون في دارفور أم المنتمون لقبائل دارفور ..إلخ، ، وإذا كان التعريف بالميلاد أو الاقامة في دارفور (مثلا)، هل يشمل الجلابة المولودين أو المقيمين في دارفور أم انهم خارج دائرة التعريف، وإذا كان على أساس قبلي، هل يشمل الذين تعود اصولهم الى دارفور ولكنهم ولدوا خارج دارفور أو يقيمون خارج دارفور وتصاهروا مع غيرهم من ابناء السودان، أم أبناء دارفور فقط الذين لم يتلوثوا بدماء أخرى غير دار فورية؟!
* وسؤال ثانٍ، من هو الذى لديه الحق في وضع التعريف القانوني لأبناء دارفور (والمناطق الأخرى ) واختيارهم للوظائف المذكورة ، وما هي الآلية التي سيتم بها الاختيار، أم أن الجبهة الثورية والحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق هي التي ستتولى الترشيح والاختيار واحتكار الوظائف المذكورة لعناصرها واعضائها واقربائها، ويذهب بقية أهل دارفور الى الجحيم كما حدث في بند تقسيم السلطة في دارفور ؟!
* وسؤال ثالث، هل سيقبل بقية ابناء السودان هذا التمييز لأبناء دارفور أم يطالبون بنفس الميزات، فكل مناطق السودان في نظر البعض مهمشة، وعلى هذا الأساس انضم بعض أبناء مناطق الوسط والشمال والشرق لمفاوضات جوبا تحت مسمى المسارات وصاروا جزءا من الاتفاقية وحصلوا على نصيبهم من السلطة، وبهذه المناسبة أين ذهب نصيب أبناء الوسط والشمال والشرق من الوظائف القومية أسوة بغيرهم من المهمشين، أم ان التهميش يشمل فقط قادة المسارات الذين منحتهم الاتفاقية نسبة 10 % من السلطة في ولايات الشمالية ونهر النيل وسنار والجزيرة والنيل الابيض، فانتهى بذلك التهميش الذى زعموا انهم يعانون منه وعلى أساسه انضموا للمفاوضات ووقعوا على الاتفاق ؟!
* وإذا اعترفنا بأحقية أبناء المناطق المذكورة في الحصول على نسبة معينة من الوظائف القومية، وإمكانية وضع تعريف قانوني لمصطلح ( أبناء دارفور) واستحداث آلية مقبولة لاختيارهم لشغل تلك الوظائف، فكيف يستقيم عقلا ومنطقا تعيين أشخاص بسبب انتمائهم الجهوى أو القبلي للجهاز القضائي، فيصبح العدل جزءا من القسمة ويتأثر بها، وحتى لو سلمنا جدلا بأن القاضي المعين بطريقة الكوتة سيكون محايدا وأمينا في عمله، فكيف يستيقن الخصوم من هذه الحيدة والأمانة ؟!
* في حقيقة الأمر، فإن ما يبدو في هذه البنود وكأنه إنصاف لأبناء المناطق المذكورة، ما هو إلا نوع من العبث والتلاعب بالألفاظ وممارسة الخداع لتحقيق مكاسب شخصية وضمان الحصول على عدد من المناصب العليا في السفارات والمجالات الأخرى المذكورة للموقعين على الاتفاق، لوجود عوائق كبيرة لتطبيقه من ناحية عملية، بالإضافة الى ما يمكن أن يثيره من حساسيات بين ابناء الوطن مما يجعله عصيا على التطبيق، وهو الأمر الذى يعرفه جيدا الذين اخترعوه وأقحموه في الاتفاق ليبدو وكأنه إنصاف لأبناء تلك المناطق، بينما الحقيقة غير ذلك!
* غدا بإذن الله أواصل، انتظروني !