تصرفات في الظلام..!
كتب: د. مرتضى الغالي
.
بعد الثورة لن يقبل الناس بالغموض و(دفن الليل) والأيدي الخفية والقرارات والإجراءات والأحداث التي تصدر من جهات مجهولة وتتم نسبتها إلى جهات رسمية من غير معرفة من الذي أصدرها إذا كان فرداً أو جهة أو حزب أو رئيس أو وزير..! وبين أيدينا الآن ثلاثة حوادث على سبيل المثال أراد من قاموا بها أن تظل مجهولة المصدر وتركها معلقة في الهواء.. ونحن لا نذكر هذه الوقائع الثلاث وكأنها جملة ما وقع من الأحداث الخفية ذات الدلالة الخطيرة في الفترة الماضية.. فهناك الكثير منها بعد الثورة بما يتعب فيه الرصد والإحصاء..ولكنها أحداث وقعت خلال أقل من أسبوع ولا يمكن الصمت عنها والتواري خلفها كما كان عليه الحال في عهد الإنقاذ الذي قامت الثورة من أجل إزالة كافة ممارساته وتصرفاته وسلوكياته و(دغمساته) وإجرامه.. ففي هذا الأسبوع تم إرجاع باحث أوروبي من فرنسا من المطار. فمَنْ الذي أصدر قرار الإبعاد..َ! ولماذا؟ وهل هو قرار دولة أم مجرد مزاج من أحد أفراد الأمن أو أي مسؤول آخر..؟؟ وما هي المشكلة التي يريد صاحب الإجراء إخفاءها..؟؟ وما الذي يخاف منه بزيارة باحث وكاتب مهتم بالشؤون السودانية..؟َ! وما طالعناه من هذا الباحث يتطابق مع ما يراه كثير من الناس حول اتفاقيات السلام والفاعلين فيها ..وليس بالضرورة أن نوافق أو لا نوافق على تحليلاته أو تحليلات أي صحفي وباحث آخر.. فما هو الخطر من دخوله السودان والعالم أصبح مفتوحاً على مصراعيه لتداول الأخبار والتقارير والتحليلات.. فلماذا لا يتحدث صاحب قرار الإبعاد علانية وبشجاعة ويقول: أنا قررت إبعاده لأنه جاسوس.. بدلاً من هذا التخفي تحت الظلام بهذا التصرّف (الغُمتي) الذي يريد أن يعيد السودان إلى قاع قائمة الدول المعادية للشفافية الذي دحرجتنا إليه الإنقاذ…!
والأمر الثاني الأكثر خطراً هو أن المجتمع السوداني وبعد الثورة اكتشف فجأة أن هناك جهة أو جهات لها معتقلاتها الخاصة خارج معتقلات الدولة..! وهذا من أفظع ما يمكن تخيّله في أي دولة محترمة في العالم؛ إلا أن تكون من بلاد المافيا والمليشيات والقبضايات والجريمة المنظمة والبلاد التي تفتقر إلى وجود الدولة..! هل تملك أي جهة غير الشرطة أن تحتجز مواطنين في معتقلات خاصة..؟! هذا والله من الكبائر التي لا يمكن ابتلاعها وتمريرها وكأنها لم تكن..وهذا سؤال صريح و(بلاغ للناس) ولمجلس السيادة والوزراء والجيش والشرطة: هل لدينا في السودان معتقلات خاصة غير معتقلات وأماكن الاحتجاز الخاصة بالشرطة..؟! أما الداهية الأخطر من الواقعتين السابقتين فهي أن يتم احتجاز وتعذيب وقتل شخصين بعد عامين من الثورة..وهو ما حدث للشابين بهاء الدين وعز الدين اللذين جرى قتلهما في غموض غريب و(مسؤولية تائهة) تتراوح بين الشرطة وبين الدعم السريع..! ودعنا نتساءل من ناحية فنية (ونجاري في الغلط) ونقول: هل يتبع الدعم السريع للجيش أم أن له مهام أخرى تتعلق بحياة المدنيين وعمل الشرطة والنيابات..؟؟
لا بد من إجلاء كل ما يمس حياة المواطنين وكل ما يتصل بقرارات الدولة حتى يعرف الشعب ما يتعلق بوطنه.. فليس حكراً على مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو الجيش أو النيابات أو الشرطة أو أن تخفي المعلومات التي تمس المجتمع.. والثورة تعني الشفافية والمساءلة لا أن ينفرد أي شخص بفعل ما يشاء ويستتر خلف الضباب حتى لا يعلم الناس ماذا يفعل وما هي صلاحياته في ما يفعل.. نريد توضيحاً شافياً للوقائع الثلاث فالسودان ليس (جمهورية موز)..!