تعقيباً علي ردّ الأُستاذ و الإعلامي الطـيب عبد الماجد عن:  عـتــاب الإخوة و الـصـحـاب

0 80

كتب: أتـيـم قرنـق ديكويـك

.

في البدأية اود ان اسجل تقديري الصادق لك الأُستاذ و الإعلامي الطيب عبدالماجد علي ما تفضلتَ به من رد علي مقالي الخاص برحيل الطيب مصطفي. انا سعيد لان مثل هذا التواصل مطلوب و مرغوب فيه بيننا.

كم تمنيتُ لو كان ردُك نقداً و ليس عتاباً، فالنقد يتمحور حول الموضوع و الأفكار و القضايا المطروحة في حين ان العتاب عبارة عن شخصنة القضايا و البحث عن ما قد (ينزوي) في نفس الكاتب و ما يجب الا يقولها وألا يتطرق لها و بذا تبقي القضايا المطروحة غير مطروقة حاضنة لما يفرق.

علي ضوء ما تقدم، سوف أتطرق لبعض ما ورد في عتابك علي أمل ان تكون بدأية لمشروع بحث سوداني يقوم بها المثقفون السودانيون و يرتكز علي تحليل و غوص في أعماق تجربة الحكم في السودان و مآلاتها و ذلك من اجل معرفة (العوامل و الأسباب التي أدت ‘لانفصال’ الجنوب و هل مثل تلك العوامل انتهت بذهاب الجنوب أم ما تزال هنالك ما يمكن ان تهدد مستقبل وامن و وحدة السودان و كيف يمكن تفاديها) و من هنا ينبع أهمية ما طرحتُه و ليس تنقيباً عما دفنه و طمره الدهر و الزمان، حسب ما استشفه من كلمات عتابك لي.

ما طرحتُه ليس من باب (الاحن او الأحقاد او الضغائن او احياء المرارات…) علي رسن قولك، نعم الجنوب ذهب من السودان و أنا (أرِيك السُهَي و تَرِيني القمر) و هذا المنحني هو (السودانوية). نحن في جنوب السودان نريد سوداناً مستقراً وانتم لا بد (انكم) تريدون جنوب السودان مستقراً أيضاً. نحتاج لبعضنا البعض ناهيك عن التاريخ و لكن حسن الجوار مطلب عصري لا ملاص منه لما فيه من منافع و من هنا أنَا انطلق.

نحن في جنوب السودان ورثنا شيئا من نواقص الحكم و بعضاً من سوء تدبير الأمور و نحن واعيون بذلك. و يمكنك تلمّس ذلك الإدراك من قبول و رضوخ المتصارعون علي كراسي الحكم لدينا، علي تكوين محكمة ذات طابع محلي-أقليمي-دولي لمحاكمة الذين ساهموا او اقترفوا جرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب. هذا دليل وعي و ادراك متقدم يراد منه محاسبة صاحب كل جريرة أُرتكبت اثناء الحرب و لا يمكن أعتبارها (أخطاء و تجاوزات…الماضي) نحن مدركون هنا بما جلبه لنا سوء الحكم و سوء إدارة شأننا و لا بد من اصطلاحه من خلال الدستور القومي المزمع كتابته حالياً علي ضوء ما نصت عليه اتفاقية الخرطوم للسلام و انها مسألة زمن و ونتعافي.

فيما يتعلق بما نعتَه (بالإسراف و المُغالاة) في (التعميم و الإجماع) في مقال ( مشحون)، إستعصَي عليّ فهم المقصود بهذه (الشحنة)، و لكن بخصوص (التعميم) و مرادفاتها فإن التعميم امر طبيعي، لان القيادة التي تقود البلاد يمثلون شعوبهم (إيجاباً و سلباً) في الخير و العزة و في الشر و الفشل؛ و تأسيساً علي هذا، يتحمل الذين ارتكبت الأخطاء باسمهم و استفادوا من (ريع) هذه الأنظمة و هنا يأتي التعميم علي رغم من وجود عناصر عملوا ضد افاعيل تلك الأنظمة.

في الولايات المتحدة الأمريكية، (يعمم) علي إن البيض يمارسون العنصرية ضد السود علي رغم من وجود بيض كُثر يعملون بكل جهد ضد العنصرية، و البيض لا يتهربون من هذا (التعميم) لإدراكهم بوجود عناصر من بقايا الماضي بينهم ما زالوا يمارسون التفرقة العنصرية؛ و لذا عندما قتل جورج فيلويد تقدم البيض بإقتراح يدعو الي عمل تشريعات تقلع العنصرية من بعض التشريعات الامريكية. و الأمريكيون البيض لا يتهربون من( نبش) الماضي من أجل إزالة شوائب العنصرية التي ما زالت تطل برأسها في المجتمع الأمريكي؛ و هذا الصدق و الواقعية هما من بين الكثير من عوامل سر تطور أمريكا و ليس (إذكاء نار العنصرية) و إنما مجابهته.

كل الكتب التاريخية (تعمم) وجود جنود محمد علي باشا في السودان (1821-1885) بالاحتلال و الاستعمار التركي-المصري و كما ان وجود جنود مصر و الإنجليز في السودان (1898-1955) (يعمم) ويعرف بالاستعمار المصري-الإنجليزي. فكيف لا (تعمم) ما فعلتها حكومات السودان (1956-2011) في الجنوب علي نمط ما سلف ذكره؟

و ماذا انت قائل اخي (الطيـب) في (تعميم) السودانيون للمصريين في قضايا أجحفت فيها الحكومات المصرية في حقوق السودانيين مثال ترحيل النوبة من اراضيهم و احتلال الحلايب…!

تقول سيدي (عبدالماجد) باني أمارس (إذكاء نار العنصرية) أبداً انا احاول إطفاءها: استمع لحسن خليفة العطبراوي في هذا المقطع و هو يشدو (بشحنة) من العنصرية النقية:

((أنا سوداني أنا، أنا سوداني أنا

أيها الناس أيها الناس

أيها الناس نحن من نفر عمروا الأرض حيث ما قطنُوا

يذكر المجد كلما ذكروا و هو يعتز حين يقترنُ

حكموا العدل في الوري زمناً أترى هل يعود ذا الزمنُ

ردد الدهرُ حسن سيرتهم ما بها حطة و لا درنُ

نزحوا لا ليظلموا أحداً لا و لا لإضطهاد من أمنُوا

و كثيرون في صدورِهم تنزوي الأحقادُ و الاحـنُ

دوحةُ العرب أصلها كرم و إلي العرب تنسب الفطنُ

أيقظ الدهرُ بينهم فتناً و لكم أفنت الوري الفتـنُ)).

العرب في المكون السوداني حسب هذا المقطع من القصيدة، هم (اصل الكرم) و هم أهل (الفطن) و الباقي من السودانيين عكس كل هذا، و كنا من ضم الفئة الاخيرة التي ليس من اصلهم الكرم و لا يتصفون بالذكاء، أين التعددية و التنوع هنا؟

استاذي (الطيب عبدالماجد) لو قيلت بأن ( دوحة السودان اصلها كرم و الي السودان تنسب الفطن) لكانت عبرت عن سودان الكل و هم فيه متساوون و كرماء و اذكياء، و عمروا الأرض أينما سكنوا لكانت هي التعددية و التنوع السوداني..

كيف سيكون تصوّر الطفل الذي يتربي في بيت (عربي) أهله هم اصل الكرم في السودان و يكبر في بيت (عربي) أصحابه هم الفطناء و الاذكياء في السودان. كيف يقيّم مثل هذا (الطفل العربي السوداني) بقية السودانيين من أُصول غير عربية و بالضرورة من أصول غير (كريمة) و من ناس غير (اذكياء) و لا يتمتعون بأي فطنة في الشأن العامة؟ ما هي مؤشرات و مظاهر العنصرية في مجتمع ما، عزيزي (الطيب)؟ هذه هي مؤشرات و منابع (اإذكاء نار العنصرية)

 

لو تمعنتَ في نشيد (يقظة شعب) للشاعر مرسي صالح سراج، يصدح به محمد وردي، ستلاحظ ان هنالك تناقض حين يمجد الجنوب و الشرق و كردفان و الشمال و لم يذكر في القصيدة قوم واحد من مكونات شعوب السودان الا (العرب) و النوبة (احتمال من اجل وردي)

و حين خط المجد في ارض دروبه

عزم ترهاقا و إيمان العروبة

عرباً نحن حملناها و نوبه

بدمانا من خلود الغابرين

هو يحدونا الي عز مبين

في مثل هذه التوجهات تقبع العنصرية!

 

احد المعلقين علي عتابك لي في (الفيسبوك) قال لي (هذا كل ما عندك بعد ان نفثتَ سمومك تجاه من بنوا لك وطناً كاملاً عدا العلم و العملة) أرجو مراجعة مقطع القصيدة الواردة و تأثيره علي هذا المعلق (عمروا الأرض حيث قطنوا) و اخري قالت ان الانفصال حدث لان الجنوبيين تم (غسيل دماغهم) من قبل الاستعمار. راجع القصيدة (العرب ينسب لهم الفطن) و لذا يتم غسيل ادمغة الغير اذكياء. شوفتَ كيف يظهر اثار مثل هذه القصيدة في إبراز التوجهات العنصرية و إستخدام لغة (الأُبوة) و (الراعي). و لو لا طلبك من المعلقين السودانيين بعدم الإتيان بالشطط و الآراء الشعوبوية لسمعنا الكثير المثير: فلك التقدير و الإحترام علي ذلك.

دعا هذا جانباً، ماذا انت قائل فيما ذهبتْ اليها السيدة الجليلة (بثينة ابراهيم دينار) وزيرة وزارة الحكم الاتحادي (السودان) مؤخراً في رد فعلها للأستاذ (حيدر المكاشفي)…(لماذا تتجاهل ريئس الوزراء و شخصي كأن لا أثر و لا وجود لنا؟ هل لأني إمرأة أم بحكم انتماءات أخري أم الاثنين معاً) هذا هو الحديث (المشحون) لانها سودانية و تشعر بالقهر و التقليل من شأنها، لا بد من شئ مسكوت عنه. أيضا لا بد ان تكون قد قراءتَ ما سطره قبل أيام الاستاذ (طارق يسن الطاهر) عن (السوداني، ذلك الكائن العجيب) ثورة التغيير السلوكي.

اما انا فخارج الحلقة، فقط احاول تنبيه الصفوة السودانية عما فصل الجنوب و ضرورة دراسته.

و ليس هناك ما يغضبني من السودانيين لان ما بيننا من حرب و قتال انتهت و نريد ان نتعاون و نعمل سوياً لمصالحنا المتبادلة محلياً و إقليمياً و دولياً و لكن الانقاذ كان ضد ذلك التوجه. و لستُ علي دراية بما تحتويها كِنَانة حكام السودان الجدد!

بعض مما ورد في عتابك، مثل انني استمع لوردي او لك جنوبيين أصدقاء في الفيسبوك او كنا و كان هذا ليس بمسبارك، ففطاحل الفكر و المعرفة امثالك لا يستخدمون مثل هذة الأدوات لسبر غور معضعلات اقوام يجابهون بعض العثرات في مسيرتهم نحو الرقي و التقدم و الازدهار. انا استمع للغناء السوداني و الإثيوبي و الشرق أفريقي و الغربي بما فيها أروبا و الغناء المصري و كثير من حول العالم أصدقاء لنا في منتديات التواصل الاجتماعي و كل هذا في إطار (العولمة) ليس مؤشراً لخصوصية العلاقة بين الناس.

اما التبادل في كل مجالات الحياة بينا لن يقطعه احد. السودانيون مغرومون ببلاد الإنجليز و يعملون في إذاعاتها و مشافيها و السودانيون يسكونون بملايين في مصر و هما دولتا الحكم الاستعماري. فلما لا يتعلق قلوب بعض الناس هنا بالسودان؟ علاقات الشعوب لا تقطع لان هذا انفصل او ذاك استقل، المنافع متبادلة و متجددة، انها سرمدية طالما بقيت الحياة و الوجود.

و كل الود و مرحباً بكم في جوبا و أنزلوها أهلاً..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.