تعيينات وزارة الخارجية: ترحيل المرمى خلال اللعب(Moving the goalposts)

0 51

كتب: د. عبد الله على إبراهيم

.

لم نسمع من اللجنة التي كونتها وزيرة الخارجية في ما رشق من عوار عن التعيينات الأخيرة لوظائف المستشارين والسكرتيرين الأوائل بالوزارة. و”التأخيرة” هنا ليست خيرة. وأخشى ما أخشاه أن تكون حيرة. فخلافاً لما كان في العهد البائد صارت الحكومة في مرمى المساءلة. ويبدو أن الدولة لم تستعد لهذه “النهزرة” بعد. فغلبت ما تزال عادة قضاء حوائج أولي الأمر من وراء دخان. بل لم تستعد لها أقلام ثورية تكتفي من مثل عوار تعيينات الخارجية مادة للشماتة الرقيعة لا لرد الاعتبار للثورة.

غير خاف مما توافر لي معلومات أن لجنة التعيينات في الخارجية ارتكبت الجريرة المعروفة ب”تحريك المرمي” لقضاء تلك الحوائج. وهي في عبارة الخواجات أن تحرك “القون” خلال اللعب حسب ما تمليه مصالحك لإحراز الإصابة التي تطمع فيها. وهذه مخاتلة.

بدأت الحكاية بإعلان مفوضية الاختيار للخدمة العامة طرح وظائف خبرات بدرجتي (مستشار، سكرتير أول) بوزارة الخارجية السودانية. واشترطت حصول المتقدم على شهادة بكالوريوس في تخصصات معينة سَمَتها، زائداً خبرة عملية في مجاله بحد أدني 7 سنين لوظائف السكرتير الاول و10 لوظائف المستشار.

خضع المتقدمون لتقييم أولي للمستندات المطلوبة للتقديم. ونُشرت كشوفات بمن عبر ذلك التقييم لامتحان أولي Online لقياس مستويات الذكاء IQ Test. وبعدها بفترة قصيرة نشرت المفوضية نتيجة هذا الامتحان والدرجة التي تحصل عليها كل متنافس. وقررت اللجنة المشتركة (بين وزارة الخارجية والمفوضية) أن معيار الانتقال للمرحلة التالية هو إحراز 20 درجة من أصل 40 في نتيجة الامتحان الالكتروني.

وتوقفت إجراءات التعيين فترة ليست بالقصيرة لتعلن تلك اللجنة المشتركة تاريخ ومواد وضوابط الدخول لامتحان تحريري كُلفت جامعة الخرطوم بإعداده، ووضعه، وتنفيذه، وتصحيحه، ونشر نتائجه. وكانت مواد ذلك الامتحان هي العلاقات الدولية، واللغة الإنجليزية، والمعلومات العامة، واللغة العربية. ثم أعلنت لجنة مشتركة من الخارجية والمفوضية وجامعة الخرطوم نتيجة الامتحان التحريري عبر مؤتمر صحفي مشترك نُشر على موقع اليوتيوب. وطمأنت مديرة الجامعة في المؤتمر على شفافية ونزاهة ومهنية الإعداد والتنفيذ والتصحيح لهذه الامتحانات. وأعلنت أن عدد الناجحين بالنسبة لوظائف المستشار هو 79 شخصاً من أصل أكثر من 500 شخص خضعوا للامتحان. ونشرت الجامعة النتيجة على لوحة إعلانات المفوضية وموقع وزارة الخارجية الالكتروني. وتضمنت النتيجة درجة كل متنافس في كل مادة، والمجموع الكلي المتحصل عليه من كل متنافس. وكانت النتيجة مرتبة من الأعلى درجةً الي الأدنى.

ران صمت على التعيين للوزارة دام لأكثر من أربعة أشهر لم يسمع خلالها أحد لا من المفوضية ولا من الوزارة. وانكسر الصمت بإعلان المفوضية انعقاد المقابلات الشخصية كمرحلة اخيرة لاختيار الفائزين في الفترة من 26 – 6 الي 13 – 7.

وكان في الصمت كلاما. وبدأ من هنا نقل الأقوان المغرض على مرحلتين.

كان شوط ترحيل القون الأولى ما فوجئ به المتقدمون بتغيير المفوضية نسبة النجاح في التحريري لدخول المعاينات من 60 %إلى 50% ولو سقط المرشح في مادة او مادتين، بل حتى ولو ثلاثة مواد. وعليه ارتفع عدد الداخلين للمعاينات أكثر من 180 مرشح بالنسبة لوظائف المستشارين. وكان العدد الذي اجتاز الامتحان بشرطه القديم هو 79 شخصاً كما تقدم.

وكان شوط ترحيل القون الثانية قرار المفوضية ووزارة الخارجية اعتبار الامتحان التحريري كأن لم يكن فيكفيه أنه أوصل المتنافسين لمرحلة المعاينة. والمُقدم ما موصل. فاستدبرت اللجنة الامتحان التحريري وقصرت نظرها على نتيجة المقابلات. وهذا الاكتفاء بالمقابلة دون التحريري جديد لم يطرأ في تعيينات الخارجية من قبل. وهو مما يخرق قانون السلك الدبلوماسي السوداني نفسه الذي اشترط اجتياز الامتحان التحريري قبل التعيين.

وودت لو نشرت اللجنة علينا ما دار من أسئلة في تلك المقابلات ومدتها التي اتسمت بالهرولة “أخلص أخلص إنعل أبوها اسكولا”. فالنتيجة أمر كان مفعولا. وما حصلت من تلك الأسئلة عليه مخجل ورقيع.

-بتسمع أغاني سودانية؟

-بترطن

-متزوج (واللا نحنكلك كنداكة وهذا من عندي).

-قبيلتك شنو (زي من وين في الأهل).

وكانت نتيجة ذلك الترحيل المكرر للقون (دبل كيك) مؤسفة.

فشمل التعيين في كشف المستشارين، موضوع تحقيقي، أشخاصاً رسبوا في مادة ومادتين، بل وثلاثة مواد في الامتحان التحريري. وكان ذلك تجاوزاً ليس للسواد الاعظم من الناجحين في كل المواد فحسب، بل لمن تفوقوا فيها وبلغوا درجة الإحسان. ومن ثم ثار الجدل الكثيف في الصحف السيارة والالكترونية حول كيف يمكن أن يقع الاختيار على اشخاص رسبوا في مواد مثل العلاقات الدولية واللغة الانجليزية.

لم يصدر بعد شيء من آلية الاستئناف التي “عزمت” وزيرة الخارجية على تكوينها لمتابعة التذمر والشكوى من التعيينات. ولم تمتثل الخارجية والمفوضية لتوجيه رئيس الوزراء لوزيرة الخارجية بعقد اجتماع مع جميع الجهات ذات الصلة ليتم بعده “تحديد الطريقة العادلة والمنصفة لاختيار المتنافسين حسب معيار الكفاءة وعدالة الفرص”.

سيعود شباب الممتحنين ورفاقهم بخفي حنين إن سألوا أنفسهم لماذا كانت ثورتهم على الإنقاذ في المحل الأول. وربما وجدوا العزاء في أنه لم يكن للإنقاذ قوناً ترحله: تعيينات بلا أقوان ولا حدود. وليكون لهذا العزاء معنى نطالب رئيس الوزراء بإعلان وثيق بأن نتيجة التعيينات الأخيرة في الخارجية باطلة، وإيقاف كل موظف حكومي اتصل بإجراءاتها حتى ينتهي التحقيق في العاذرة. ترتكب الثورة الخطأ وتركبها عادات النذالات الصغيرة. وطريقها لاسترداد نفسها في قطع دابرها بلا مجاملة.

حرقتو كبد شباب مثالي فدى هذا البلد بالمهج. الله يحرق كبدكم كما كانت تقول جمال أحمد حمد رحمها الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.