السودان نت
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته حول أحداث العنف ضد المدنين ، إن الهجمات القاتلة على المتظاهرين في السودان في يونيو/حزيران كانت مُبرمَجة وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. على السلطات الانتقالية السودانية الالتزام بمحاسبة حقيقية عن أعمال العنف غير القانونية المرتكبة ضد المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول، والتي قُتل فيها المئات.
يوثّق تقرير “كانوا يصرخون ’اقتلوهم‘: حملة السودان العنيفة على المتظاهرين في الخرطوم“، الصادر في 59 صفحة، هجمات قوات الأمن السودانية على المتظاهرين المعتصمين في مخيّم في الخرطوم يوم 3 يونيو/حزيران 2019، وفي الأيام التالية في أحياء أخرى من العاصمة الخرطوم، وفي بحري وأم درمان المجاورتين. وثقت هيومن رايتس ووتش أيضا هجمات على المتظاهرين أدت إلى حملة 3 يونيو/حزيران والهجوم اللاحق على المتظاهرين في 30 يونيو/حزيران في أم درمان.
قالت جيهان هنري، المديرة المساعدة في قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “على الحكومة السودانية الجديدة إظهار أنها جادة في محاسبة المسؤولين عن الهجمات المُميتة على المتظاهرين بعد عقود من القمع العنيف والفظائع المرتكبة ضد المدنيين. عليها أن تبدأ بإحقاق العدالة في الهجمات الوحشية على المتظاهرين منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وضمان أن تكون جميع التحقيقات مستقلة، وشفافة، ومتوافقة مع المعايير الدولية”
قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 60 شخصا بمن فيهم ضحايا مجموعة من الجرائم، ومن ضمنها العنف الجنسي، وشهود على الانتهاكات. أجرت هيومن رايتس ووتش أبحاثا في السودان، وعن بعد عبر الهاتف، بين 29 يونيو/حزيران و11 أغسطس/آب، كما حللت صورا، ومقاطع فيديو، ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
قبيل فجر يوم 3 يونيو/حزيران، في اليوم الأخير من شهر رمضان، انتشرت أعداد كبيرة من قوات الأمن بقيادة “قوات الدعم السريع” بالقرب من منطقة الاعتصام، وفتحت النار على متظاهرين عُزَّل، فقتلت الكثير منهم فورا. اغتصبت القوات، وطعنت، وضربت المتظاهرين، وأذلت الكثيرين، وقصت شعرهم، وأجبرتهم على الزحف في مياه الصرف الصحي، وتبوّلت عليهم، وأهانتهم. كما أحرقت القوات ونهبت الخيام وغيرها من الممتلكات في المنطقة. وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات وحشية على المدنيين ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق منذ 2013.
تقدر مصادر موثوقة أن 120 شخصا على الأقل قتلوا يوم 3 يونيو/حزيران والأيام التالية. أصيب المئات وفُقِد العشرات. قال شهود إنهم رأوا قوات الأمن وهي تلقي جثثا في النيل. انتُشلت جثتان على الأقل من النهر كانتا مربوطتين بالطوب وتحملان إصابات بأعيرة نارية في الرأس والجذع.
بدأت الاحتجاجات التي عمّت البلاد في خارج الخرطوم في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، بسبب ارتفاع الأسعار، لكنها تطورت بسرعة إلى احتجاجات ضد عمر البشير، رئيس السودان طيلة 30 عاما، وإدارته. بلغت الاحتجاجات ذروتها في اعتصام بالقرب من مقر القيادة العامة للجيش في أبريل/نيسان والذي أسفر عن الإطاحة بالبشير في 11 أبريل/نيسان. تولى السلطة مجلسا عسكريا انتقاليا، بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه الجنرال محمد “حميدتي” حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع.
كلاهما عضو في “المجلس السيادي” للحكومة الانتقالية الحالية، الذي أدى اليمين الدستورية في أغسطس/آب بعد اتفاق تقاسم السلطة بين العسكر وجماعات المدنيين.
بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة، واصل المحتجون الاعتصام، داعين الجيش إلى تسليم السلطة للقادة المدنيين. مع تزايد التوترات، نشر المجلس العسكري قوات الدعم السريع لتفريق الاحتجاجات. استخدمت القوات مرارا القوة المفرطة، بما في ذلك الذخيرة الحية، مما أسفر عن مقتل متظاهرين في أبريل/نيسانومايو/أيار. حصلت الحملة الأكثر عنفا في 3 يونيو/حزيران والأيام التالية.
أدان الاتحاد الأوروبي وحكومات الترويكا – الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والنرويج – الهجوم، قائلين إن المجلس العسكري أمر به. حثّ خبراء أمميون “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” على إجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات ضد المتظاهرين منذ بداية العام. دعا “الاتحاد الأفريقي” إلى إجراء تحقيق مستقل، وفي 6 يونيو/حزيران علّق عضوية السودان فيه، وحث قادتها على نقل السلطة إلى الحكم المدني.
كان رد الحكومة في البداية هو إنكار الهجمات. قال المتحدث باسم المجلس العسكري إن العملية كانت فقط لتطهير منطقة متاخمة للاعتصام حيث قالت السلطات إن ممارسات غير قانونية تجري. اعترف لاحقا أن عملية فض الاعتصام تم التخطيط لها واعتذر عن “الأخطاء”.
رفضت السلطات أيضا دعوات المعارضة إلى إجراء تحقيق دولي. في 3 يونيو/حزيران، شكّل النائب العام آنذاك لجنة تحقيق، والتي قدرت لاحقا عدد القتلى بـ 87، وهي نتيجة رفضتها المعارضة. أوصت اللجنة باحتجاز ثمانية ضباط مسؤولين عن مهاجمة الاعتصام واتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم أخرى.
استؤنفت المفاوضات في يوليو/تموز، وفي 17 أغسطس/آب اتفق القادة العسكريون وزعماء المعارضة على حكومة انتقالية يرأسها “مجلس سيادي” يضم أعضاء عسكريين ومدنيين. وسيرأس الأعضاء العسكريون المجلس خلال أول 21 شهرا، ثم يليهم أعضاء مدنيون. أدّى أعضاء المجلس ورئيس الوزراء السوداني الجديد، عبد الله حمدوك، اليمين في 21 أغسطس/آب.
كما هو منصوص عليه في الاتفاق، شكل حمدوك لجنة جديدة في 21 سبتمبر/أيلول للتحقيق في أعمال العنف التي وقعت يوم 3 يونيو/حزيران. أثارت الجماعات المعنية بشؤون الضحايا مجموعة مخاوف بشأن عدم استقلالية اللجنة، إذ كان بين الأعضاء مسؤولون في وزارتي الداخلية والدافع اللتين تُشرفان على القوات المسلحة. لا تضم اللجنة نساء أو خبراء في العنف الجنسي.
منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، قمعت قوات الأمن الاحتجاجات بشكل عنيف عدة مرات، مستخدمة القوة المفرطة والمميتة لتفريقهم. اعتقلت قوات الأمن واحتجزت الآلاف بعنف، كما احتجزت المئات دون تهم، مع سوء المعاملة والظروف القاسية. قدّر مراقبون ميدانيون أن أكثر من 100 شخص قُتلوا في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول والإطاحة بالبشير في 11 أبريل/نيسان. لم يُحاسَب أي شخص على مسؤوليته عن الانتهاكات خلال هذه الفترة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الانتقالية إعادة النظر في لجنة التحقيق أو استبدالها بلجنة ذات تفويض واحد للتحقيق وجمع الأدلة عن جميع الجرائم منذ ديسمبر/كانون الأول، ولديها سلطة إحالة القضايا إلى المحاكمة، بالاستناد إلى المعايير الدولية. ينبغي ألا يتردد التحقيق في تحديد كل من يخلص إلى أنهم مسؤولون، بمن فيهم الذين في أعلى المستويات الحكومية مثل حميدتي والقادة العسكريين الآخرين الذين هم أعضاء في المجلس السيادي، واتخاذ خطوات لتقديم أي شخص يتم تحديده إلى العدالة.
على الحكومة أن تسنّ بسرعة إصلاحات قانونية لجعل القوانين الوطنية تتماشى مع المعايير الدولية، وأن تصدّق على معاهدات حقوق الإنسان الرئيسية، بما في ذلك “اتفاقية مناهضة التعذيب” و”اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو). عليها أن تشكل اللجان المنصوص عليها في اتفاق أغسطس/آب، خاصة المتعلقة بإصلاح القوانين، وحقوق الإنسان، والعدالة الانتقالية.
على الحكومة أيضا تسليم عمر البشير وأربعة رجال آخرين صدرت في حقهم أوامر اعتقال من “المحكمة الجنائية الدولية” بتهمة ارتكاب جرائم ضد المدنيين في دارفور.
قالت هنري: “على قادة السودان فورا متابعة الخطوة المهمة المتمثلة في إنشاء لجنة للتحقيق في الجرائم ضد المتظاهرين، لضمان أنها تفي بالمعايير الدولية للعدالة والاستقلالية. لهذه الغاية، عليهم طلب الخبرة على وجه السرعة من الهيئات السودانية والإقليمية والدولية، بما في ذلك من خبراء في التحقيق في العنف الجنسي والجرائم الجسيمة”.