تيوس الحزب الوطني الكبير
ذات عصر يتباهى بسخونته لولا نسمة نحيلة كان ترطب عرق الزبائن في (مركز اتصالات الحلة)، معظم الزبائن شباب من الجنسين، دائما في عصريات الجمعة يزدحم (مركز اتصالات الحلة)، حتى في العصريات العادية من أي يوم تكون المصطبة أمام (مركز اتصالات الحلة) ملمة للشباب ويحتشد هذا الفضاء بالثرثرات والنقاشات المتشنجة حول كرة القدم ويتخلل كل ذلك نغمات متنوعة مأخوذة من أغان معروفة ورنات ذات ضجيج كأنها خارجة من جهاز ساوندسستم حساس، في هذا العصر رن تلفون (عثمان ود حسنين) مدير (مركز اتصالات الحلة)، كانت نغمة تلفون سعادة المدير في هارموني وظيفي مع وظيفته كمدير لمركز اتصالات وعادة ما كان (عثمان ود حسنين) يستلذ بهذة النغمة التي اختارها من أغاني البنات فلا يرد على المكالمات بسرعة
(ده كلو من وائل
وائل قفل الموبايل)
حين تكررت هذه النغمة لأكثر من أربع مرات وسط ضجيج وحركة الزبائن داخل مركز الاتصالات التقط (عثمان ود حسنين) تلفونه:
)ألو يا مرحب، أهلا، يا مرحب، مرحب بناس الحزب، كويس جدا، إنشاء الله، أيوة، بكلم العمدة، أيوة هو عندو تلفون، كويس بتصل بيهو وبمشي ليهو بعد المغرب، بعد بكرة، لا خلاص، كويس، أيوة، أربعة تيوس، مع السلامة، يديك العافية)
أنهى (عثمان ود حسنين) المكالمة،وضع تلفونه على المكتب وخرج وهو يصيح:- (يا إدريس، إدريس، دقيقة يا إدريس)
وأقبل عليه شاب من شلة المصطبة انتحى به جانبا وبشبه همس قال له:- (اسمعني يا إدريس، الحزب اتصل وحيرسل أربعة تيوس هدية للحلة، عايزك) ….
(أضبحهم؟)
(تضبح شنو يا إدريس؟، دي تيوس لمهمة تانية،بس أنت جاري للضبائح والعوازيم)
(هي لكين أنت ما قلت لي أربعة تيوس)
(المهم يا زول التيوس دي حتصل بعد بكرة الصباح، عايزك تمسك لي المحل لأنو حأمشي للعمدة بعد المغرب)
(يا عثمان ما تتصل بيهو وبس)
(إدريس، دي مهمة حزبية، أنا حأتصل وبرضو لازم أمشي ليهو)
و قبل أن يرد عليه (إدريس) بالموافقة كانت نغمات هاتفه تتخلل نسيج الضجة المتنوعة داخل (مركز اتصالات الحلة)
(ده كلو من وائل
وائل قفل الموبايل)
تناقلت تلفونات الحلة خبر تيوس الحزب الأربعة،ومن ثم خبر وفد الحزب القادم بتيوسه الأربعة في صبيحة ما بعد الغد ونقلت الهواتف أن العمدة حلف الطلاق على نسوانه الأربع أن يذبح أربعة عجول إكراما لوفد الحزب، الحلة هي الحلة ولكنها تغيرت بعد أن أصبح لها مركز اتصالات، قبلها كان (عثمان ود حسنين) مجرد عاطل يقضي نهاره متجولا في الحلة، كان قد تخرج من كلية (الأمن الاجتماعي) في جامعة من الجامعات الكثيرة المتباهية بها ثورة التعليم العالي وتناقلت تلفونات بعض مثقفي الحلة خاصة من المدرسين والمدرسات وطالبات وطلاب تخرجوا لتوهم من جامعات ليرفدوا قعدات الكوتشينة بطاقاتهم الذهنية أن (عثمان ود حسنين) أصبح هكذا وفجأة مديرا لـ (مركز اتصالات الحلة) حتىأن تلفونات الحلة لم تتناقل خبر أن (عثمان ود حسنين) سيصبح مديرا لـ (مركز اتصالات الحلة) رغم أن كل حدث متوقع الحدوث في الحلة كانت الحلة تتناقله عبرهواتفها حتىأن مدرس التاريخ في مدرسة الحلة فلسف الأمر بـ (أن عملية الاتصالات في حد زاتها كانت متواجدة بالحلة قبل مركز اتصالات الحلة بالتالي في سؤال مهم وهو إنو هل الحلة كانت خارج عملية الاتصالات؟ وهل الحلة أساسا محتاجة لمركز اتصال؟)، و كان قد أهدر الكثير من الوقت حول كيف حصل (عثمان ود حسنين) على هذه الوظيفة ولكن في نسيج رنين هواتف الحلة شاع أن (عثمان ود حسنين) يعمل لشبكة اتصالات مشهورة ولها إمكانيات أن تتصنت على المكالمات وأن تقرأ الرسائل المكتوبة.
ذبح العمدة عجول حليفة طلاقه الأربعة من نسوانه الأربع في استقبال وتكريم وفد الحزب وتيوسه الأربعة والغريب أن وفد الحزب كان مكونا من أربعة وكان (حمد) الجزار قد لاحظ بخبرة تتعلق بالبهائم أن عيون التيوس الأربعة تشبه تماما عيون وفد الحزب الأربعة وطبعا كل الحلة تعرف أن ملاحظات (حمد) الجزار مصدرها أنه اصطبح بسيجارة خضراء قبل أن يحضر لاستقبال التيوس الأربعة، انفض سامر استقبال التيوس الأربعة وغادر وفد الحزب المكون من أربعة الحلة وبقيت تيوس الحزب الأربعة لتؤدي مهامها الحزبية.
العمدة الذي ذبح عجوله الأربعة احتكر تيوس الحزب الأربعة ووزعها على زرائب غنم نسوانه الأربع ولأن العمدة طيب وكريم فقد منح خاصته من ناس الحلة بجدولة عادلة تتوزع بها تيوس الحزب الأربعة علىزرائب غنم الحلة وشهدوا أن العمدة لم يبخل علىأحد بتيس من تيوس الحزب. حدث ماحدث بعد أن أصبح (عثمان ود حسنين) مديرا لـ (مركزاتصالات الحلة) وكان ذلك قبل شهور من بداية التسجيل للانتخابات، وقد حدث أيضا ما حدث بعد ذلك وفي فترة حرجة هي قرب إعلان نتائج الانتخابات وكان العمدة قد أبلى بلاء حسنا في حشد حلته لصالح الحزب تتقدمه تيوس الحزب الأربعة والتي كانت تقف في إجلال مهيب أمام مرشح الحزب حين شرف سيادته الحلة قبيل إجراء عملية الاقتراع بقليل وخطب خطبة عصماء أمام جماهير الحلة (ونحن يا أخوانا مهتمين حتى بالحيوان وعشان كده جبنا التيوس الأربعة القدامكم ديل لأنو عرفنا أنو الحلة دي ما فيها تيوس، تيوسا قليلة وغنما كتيرة، عشان كده يا أخوانا)……….
حدث ما حدث ولكن قبيل إعلان نتيجة الانتخابات كان (إبليس) راعي غنم الحلة، (إبليس) هذا لقبه واسمه الحقيقي (سعد ود جادين) ورث مهنة الرعي أبا عن جد ولكن لقبته الحلة بـ (إبليس) لأنه كان يرعى غنم الحلة ويرعى غنم إبليس ويقودها معه حتى الطرف البعيد من الحلة حيث (الأنادي) تمارس مهامها في تحريض النشوة، كان (إبليس) قد لاحظ سلوكا غريبا يمارسه تيس الحزب الذي اصطحبه معه هذا الصباح، لقد كان حقا تيسا غريبا لذلك أفشل (إبليس) خطة سرية للعمدة كي يتخلص من أحد تيوس الحزب فكان أن تذكر العمدة الراعي (إبليس) فهاتفه ليلا فـ (إبليس) الراعي أيضا داخل الشبكة، كان إبليس قد لاحظ أسلوب العمدة المتهافت كي يتخلص من أحد تيوس الحزب وذلك حين مر هو وغنمه وغنم إبليس صباحا بدار العمدة القديمة ليأخذ معه هذا التيس، لذلك لم تمض الظهيرة حتى ترك (إبليس) الراعي غنم الحلة وغنم إبليس في المرعى وعاد بتيس الحزب وأعاده للعمدة ورجع إلى غنمه وغنم إبليس دون أن يجيب على سؤال العمدة :- (لاحظت حاجة غريبة في التيس ده؟)
وتناقلت هواتف الحلة قبيل إعلان نتيجة الانتخابات السلوك الغريب لتيوس الحزب الأربعة ولم يعد سكان الحلة يتوافدون إلى العمدة كي يحصلوا على تيس من تيوس الحزب الأربعة كي تقضي ليلة في زرائب أغنامهم وأصبح العمدة في ضيق شديد من تيوس الحزب الأربعة حتىأن نسوانه الأربع لاحظوا همه وعدم همته.
(ده كلو من وائل
وائل قفل الموبايل)
تتكررت هذه النغمة مرارا وتكرارا و (عثمان ود حسنين) لا يرد على المكالمات، كان ينظر إلى الرقم في شاشة تلفونه ولا يرد، قد كانت المكالمات كلها من الحزب فقد أصبح محرجا من أمور تيوس الحزب الأربعة.
تناقلت هواتف الحلة أن تيوس الحزب الأربعة بدلا من أداء مهمتها في إخصاب أغنام الحلة ظلت ترضع ألبان الأغنام الوالدة فشح اللبن الذي يشربه الأطفال.
)تهموني بيك أنا قالو خاين
أنا ما سرقت أنا جيت أعاين)
تلك كانت نغمة تلفون (إبليس) الراعي، حين رن جرس تلفونه كان متكئا تحت ظل شجرة السيال فهب من اتكاءته باسترخاء راعي والتقط تلفونه، كان على الجانب الآخر العمدة يحاول إقناع (إبليس) الراعي أن يأتي ويأخذ تيوس الحزب الأربعة كهبة مجانية فرد عليه (إبليس) الراعي الذي يرعى غنم الحلة وغنم إبليس: – (ما دايرن، يا عمدة هوي، أنا راعي، ما بدخل لي تيوس في مراحي بدل يعشرن الغنم يرضعن لبن الوالدات، معليش يا عمدة، لا، كدة بتخسر معانا)
رغم أن كلام (إبليس) الراعي الذي يرعى غنم الحلة وغنم إبليس كان واضحا إلا أن العمدة ظل يلح ويلح ويلح فتضايق (إبليس) فصرخ في التلفون :- (يا عمدة،أنا أعمل شنو بتيوس)…………..
وكان أن تناقلت هواتف الحلة، قبيل إعلان نتيجة الانتخابات خبر صوت أربعة طلقات رصاص سمعت ذات عصر تصدر من حوش العمدة و كانت لمة الشباب في مصطبة (مركز اتصالات الحلة) تستمتع بنغمات رنات هواتفها ومشغولة حد الهوس بمباريات كرة القدم.
(ده كلو من وائل
وائل قفل الموبايل)
وينظر (عثمان ود حسنين) إلى الأرقام في شاشة تلفونه ولا يرد ويستمتع باستمرار تكرار النغمة.