“جهاز الأمن القديم و الجديد..”

0 42
.

وكأننا لا نتعظ من التاريخ، نكرر الأخطاء ذاتها بمنتهى الغفلة.. بعد 24 ساعة من انتصار انتفاضة إبريل 1985 صدر قرار – لا أب له لأن الجميع أنكره بعد ذلك – بتصفية جهاز الأمن العام، وكان ذلك اسمه آنذاك، و في لمح البصر أصبحت أسرار الدولة السودانية – وليس أسرار نظام مايو المخلوع- مكشوفة في العراء… وصل مرحلة تباري الأحزاب وتباهيها بنشر هذه الأسرار في الصحف علناً لتصفية الخصومات السياسية..

الآن يبدو أن السيناريو ذاته يجري خلف وأمام الكواليس، صدر قانون لجهاز الأمن الجديد، ولأن آليات تمرير القوانين سهلة وسريعة فلا أحد يضع الأسئلة الحتمية في طريقه. لماذا جهاز أمن جديد؟ و ما مصير القديم؟ ولماذا ثار الساسة ضد الصلاحيات التنفيذية لجهاز الأمن القديم والآن يجزلون منحها لجهاز الأمن الجديد؟

المؤسسات الاعتبارية هي ملك للوطن والمواطن وليس لشاغلي وظائفها، فإذا كان ثمة شك في نوايا أو ولاء بعض منتسبي جهاز الأمن القديم، فالذي يجب أن يتغير هو بعض المنتسبين وليس الجهاز، فبناء مثل هذه الأجهزة الاستخبارية أمر معقد ويستغرق سنوات طويلة لأنه ليس مجرد مكاتب ومعدات بل علاقات دولية ومصادر معلومات وخبرات متراكمة مع الزمن.
ضابط جهاز الأمن – ومثله ضابط الاستخبارات في الجيش أو المباحث في الشرطة – يعتمد كثيراً على تراكم خبرته لا مجرد مؤهلاته وشهاداته، ومن الحكمة عدم التفريط في الخبرات والكفاءات لمجرد الظن والهواجس المتوهمة، وطالما أن العهد الثوري الجديد يتطلب روحاً قومية في العمل العام بعيداً عن الولاءات السياسية فمن الحكمة التعويل على بث و تعزيز هذه الروح بدلاً من الإحلال والإبدال الذي غالباً سيراعي الموازنات السياسية أيضاً.

الحكومات الديموقراطية أكثر حاجة من النظم الديكتاتورية للقوة والحماية، ووجود جهاز أمن قوي يعضد من مهام الجيش والشرطة في الحفاظ على الأمن بصورة عامة.

في الولايات المتحدة الأمريكية يعيد رئيس الجمهورية بعد انتخابه تعيين رئيس المخابرات المركزية الأمريكية و مكتب التحقيقات الفيدرالي لكن لا يمكن أن يفكر في إلغاء هذين الجهازين، ففرق بين تغيير الموظف و المؤسسة.
خطوة إنشاء أمن جديد تفتح ثغرة خطيرة في جدران الأمن القومي السوداني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.