جيلي أنا

0 41

كتب: جعفر عباس

.

أعرف كم أبلغ من العمر بالثانية والدقيقة، ولكنني غير معني بالعمر كرقم حسابي، وغير منكر للانتماء الى جيلي، ولا أجد حرجا في استرجاع ذكريات طفولتي وصباي بتفاصيل توحي بأنها وقائع تندرج تحت بند “حضارات سادت ثم بادت”، نعم فأنا من الجيل الذي تربى في بيت كانت تشاركه السكنى فيه الماعز والدجاج، وكان لي كذا سخلة إخوة في الرضاع، لأننا كنا نشرب لبن نفس الأم، وكان أهلنا يلبسون المعزة التي ترد اللبن بعد الولاة مباشرة “سوتيان” يمنع صغارها من شفط اللبن كله، وياما استخدمت أمي حقيبتي المدرسية سوتيانا لغنمنا، وكانت تلك الحقيبة تسمى الخرتاية، وتصنع عادة من أكياس المخدات القديمة، ونشأنا في بيئة مكتفية ذاتيا في مجال الطعام، ولم تكن بنا حاجة الى سلع مستوردة من خارج المنطقة سوى الزيت والسكر والشاي، وإذا انعدم السكر كنا نشرب الشاي بالتمر وهو أمر يفعله اهل الخليج الى يومنا هذا مع القهوة، واليوم وبعد انشغال الناس بالقيافة والوجاهة الكاذبة لم يعد اهل المدن يربون الماعز والدجاج داخل البيوت، ثم يشتكون من ارتفاع أسعار اللبن والبيض والدجاج.

أنا من الجيل الذي كان يجلس في غرفة الدراسة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وعلى ثقب في الدرج وعاء بيضاوي صغير يحوي حبرا يتم صنعه داخل المدرسة، وكانت الكتابة باستخدام الريشة وهي عود خشبي رفيع مصقول في طرفه قطعة نحاسية ذات سن رفيع به “فلجة” أي مشقوق، ويتم غمس الريشة في المحبرة لممارسة الكتابة، وكنا نستخدم قلم الرصاص العادي للكتابة ونوعا آخر منه اسمه ثري اتش لمادة الرياضيات الهندسية.

أنا من الجيل الذي كان يقلم أظافره ويبري قلم الرصاص ب”الموس” ويتطلب ذلك مهارة عالية، وكنا نكوي ملابسنا بمكواة يتم تسخين قاعها بالفحم المحشور في جوفها، نحن الجيل السعيد الذي شهد قدوم الطائرة النفاثة وغزو الفضاء وانتقل من ثلاجات تعمل بالجاز الأبيض الى تلك التي تعمل بالكهرباء، نحن من شهد عصر التلفزيون وهو بعد لم يستوعب كيف يتكلم الراديو ويغني، ثم و99% من أهلنا لم يتسن لهم التعامل مع الهاتف الأرضي، وصلنا عصر الانترنت ثم الهواتف الذكية.

نحن جيل البطولات التي أعقبتها خيبات كبرى: جيل صنع ثورات مجيدة ثم أضاعها، جيل تمكنت قلة منه من تلويث المناخ السياسي في البلاد بانتهازيتها ولصوصيتها، فكانت سوء الخاتمة له، وإرثا قبيحا للأجيال الشابة، وجاءت ثورة ديسمبر الشابة وسرقها لصوص جيلنا وبعض من تربوا على إرث جيلنا.

الله يسامحني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.