حانت الفرصة للابتعاد عن المحاور الإقليمية

0 81
كتب: د. النور حمد
.
برفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، تدخل البلاد مرحلة جديدة. وقد بدأت بشائر هذه المرحلة الجديدة واضحة في نبرة خطاب السيد رئيس الوزراء، الذي أظهر فيه ثقة بنفسه وبشعبه الذي أنجز الثورة، وبمستقبل البلاد، أكثر مما عهدناه عنه في كل خطاباته السابقة. يضاف إلى ذلك، التحول الكبير في موقف الإدارة الأمريكية تجاه السودان وإقبالها، من جديد، لوضع السودان في دائرة اهتمامها المباشر. بعد أن كانت تعتمد في ذاك، إلى حد كبير، على شركائها الإقليميين. وقد ازدحمت الصحف ومختلف الوسائط الإعلامية في اليومين الماضيين بمختلف صور الحراك الأمريكي الإيحابي تجاه السودان. وأرى، من ناحيتي، أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب قد فتح بابا ظل مغلقا، إلى حد كبير، منذ عقود، بسبب الزوبعة السياسية التي اتسمت بالغوغائية تجاه مشروع المعونة الأمريكية في نهاية عقد الخمسينات. وقد تكررت تلك الزوبعة، مرة أخرى، عقب الهزيمة العربية الكبرى في حرب 1967. فقد وقفت حكومة الديموقراطية الثانية (1965 – 1969)، في صف العرب في مقاطعتهم لأمريكا. وانعقد مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم، وجرى طرد الأمريكيين الذين كانوا يشيدون طريق الخرطوم مدني. فتركوه في منتصف المسافة، عند مدينة الكاملين، وغادروا البلاد. فأكملته وزارة الأشغال التي تدربت طواقمها على يد الأمريكيين، وبلغ الطريق ودمدني في عام 1969 مع بداية انطلاق الدورة الأفريقية في كرة القدم التي انعقدت حينها بمدينة ودمدني.
برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب انغلقت دورة من التشاكس الذي وقفت وراءه المراهقة السياسية السودانية، لينفتح الباب لدورة جديدة من التعاون. وهو تعاون نرجو أن يكون مثمرا، وأن يكون حاديه وهاديه النضج السياسي، والتصور الاستراتيجي السليم. فلولا الانجرار الغر وراء وهم القومية العربية، ووراء شعارات ووعود الشيوعية الدولية السرابية، لكان السودان قد قطع شوطا كبيرا جدا في التنمية الاقتصادية عبر التعاون مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أظهر الأمريكيون اهتمامها كبيرا بالسودان لحظة نيله الاستقلال. وأقبلوا عليه بكليتهم لمعرفتهم لأهميته الجيواستراتيجية بالنسبة لهم، وكذلك لموارده الطبيعية الضخمة وفرص الاستثمار الثرة الواعدة فيه. لكن الماعون السياسي السوداني بنخبه التابعة لمصر الناصرية، وعنترياتها المصادمة للغرب، بدعوى الاستعمار والصهيونية العالمية، وتغنيها الفج بصداقة الاتحاد السوفييتي، كان أضيق بكثير من أن يستثمر في ذلك الإقبال. وهاهي الفرصة تلوح مرة أخرى، بعد أكثر من ستين سنة. فهل سنكرر خطأنا الذي ارتكبناه من قبل، أم أننا وعينا الدرس، وأصبحنا قادرين على أن نمخر بسفينة بلادنا بمهارة، ووفق وعي جديد، في بحر العلاقات الدولية وأمواجه المتلاطمة، بصورة تجعل التنمية الاقتصادية أولوية؟
تتسم هذه المرحلة الجديدة، فيما ألمح من المؤشرات، بتهيؤ الفرصة لكي نخرج من منزلق الانجرار وراء المحاور الإقليمية. فهو انجرار غير مثمر بل ومضر. هذه القوى التي شكلت المحاور الإقليمية العربية لا تملك سوى المال، وهو في طريقه إلى النضوب. هي لا تملك معارف ولا تقنيات لتكون مفيدة لمن يدورون في فلكها، بل هي لا تعرف غير تعطيل غيرها. ينبغي أن يكون التحالف مع القوى الكبرى. وفي حالتنا، فإن الخيار المطروح لنا من حيث القدرة على الإعانة، وعلى خلق ارتباط بمنظومة مصالح جيواستراتيجية مشتركة، تتسم بالعضوية، هو الولايات المتحدة الأمريكية. ولا ينبغي أن يمنعنا ذلك من التعاون مع أي جهة أخرى، وفق ما تقتضيه مصالحنا الوطنية، لكن مع مراعاة التقاطعات والحسابات الدقيقة. لكن الملاحظ الآن أن السلطات الحاكمة في بلادنا في هذه الفترة الانتقالية، تعاني من انقسامات. ولا مخرج إلا بأن يتسق كلا المكونين؛ المدني والعسكري، في نظرتهم الجيواستراتيجية. ويحتاج هذا لحوار شفاف تشارك فيه إلى جانب المكونين؛ المدني والعسكري للسلطة الراهنة، الأكاديميون والمفكرون وقادة الطيف السياسي. وهذا ما لا نراه حادثا منذ بداية الفترة الانتقالية. لقد جاءت اللحظة الدقيقة الفارقة لإعادة ترتيب الحسابات الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية. وهي فرصة أرى أن اهتبالها يعتمد على تناغم المكون العسكري والمدني وتضافرهما لخدمة أهداف الثورة وتطلعات جماهيرها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.