حزمة شروط “الصندوق” الجديدة
كتب: د. خالد التيجاني النور
.
(1)
كما هو منتظر فقد أجرى صندوق النقد الدولي المراجعة الأولى لبرنامج الحكومة لإصلاح الاقتصاد تحت رقابة موظفيه في الخامس من مارس الماضي، بعد مضي ستة أشهر من اعتماد البرنامج من قبل الصندوق في سبتمبر الماضي متأخراً لثلاثة أشهر عن الموعد الذي كانت اقترحته الخرطوم في مطلع يوليو المنصرم، ومع ذلك تأخرت الحكومة في تنفيذ المطلوبات التي تعهدّت بها في الاتفاق حتى ديسمبر برفع أسعار المحروقات والكهرباء، حيث كان من المفترض أن تبدأ ذلك في مطلع سبتمبر، فضلاً عن ترددها في إجراء خفض كبير في قيمة الجنيه منافس للسوق الموازي في مقابل العملات الأجنبية في التحريك الأخير لسعر الصرف قبل ثلاثة اسابيع.
(2)
جملة من الملاحظات يمكن الإشارة إليها على خلفية هذه المراجعة، أولها أن تكاثر سلسلة الإجراءات الحكومية القاسية التي ألقت المزيد من المعاناة على كاهل غالب المواطنين بزيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك الخفض الكبير في قيمة سعر صرف الجنيه السودان، لم تكن بالضرورة متصلة ببرنامح إصلاح اقتصادي محل توافق وطني، بقدر ما كانت في الواقع استجابة لضغوط عواصم القرار الدولي التي حبست تدفق أية معونات للسودان بتحسين سعر صرف الجنيه الرسمي، وللمفارقة كانت كانت هذه الجهات المانعة تطمع في تخفيض بحدود 173 جنيه، ولكن الكرم الحكومي الحاتمي منحها سقفاً أعلى بكثير لم تكن تحلم به بأكثر من الضعف أي 375 جنيهاً، وأيضاً في سياق استعجال لاستباق مراجعة الصندوق للنصف الأول من عمر برنامج الحكومة المراقب من موظفي الصندوق بغرض الحصول على تقدير إيجابي يسرّع من الوصول إلى نقطة اتخاذ القرار وبالتالي إطلاق عملية معالجة الديون تحت مبادرة هيبيك.
(3)
من الواضح أنه على الرغم من تنويه عابر في التصريح الصحافي للسيدة كريستالينا جورجيفا المدير العام للصندوق بهذا الشأن أشارت فيه إلى “إحراز السلطات السودانية تقدمًا ملموسًا نحو إنشاء سجل حافل بالسياسات وتنفيذ الإصلاح”، وهو مطلب رئيسي لتخفيف الديون في نهاية المطاف”،مشيرة إلى “توحيد سعر الصرف الأخير، وإلغاء دعم الوقود، والتدابير الضريبية المتخذة كجزء من ميزانية 2021، وزيادة تعرفة الكهرباء ستؤدي إلى تقليل التشوهات في الاقتصاد وتسهيل ضبط أوضاع المالية العامة”. إلا أنها ما لبث أن سارعت إلى رسم صورة قاتمة لواقع الحال بقولها “إن الوضع الاقتصادي في السودان لا يزال هشا للغاية، مع انخفاض النمو وارتفاع التضخم والموقف الخارجي الضعيف مما يشكل تهديدا لاستقرار الاقتصاد الكلي والحد من الفقر”.
(4)
بيد انها سارعت إلى وضع جملة شروط جديدة “للحفاظ على التقدم والوفاء بمتطلبات تخفيف عبء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون سيكون من المهم إحراز تقدم مستدام في إطار البرنامج الخاضع لمراقبة موظفي الصندوق على مدى الأشهر المقبلة”.
حيث رهنت تحقيق الهدف باتخاذ عدد من الإجراءات من بينها “يجب أن تعزز مثل هذه الإجراءات استقلالية البنك المركزي عن طريق الحد من الهيمنة المالية، وتحفيز التدفقات المالية من خلال النظام المالي، وتقليل فرص أنشطة البحث عن الريع”.وأضافت أنه “يجب على السلطات تنفيذ إصلاح سعر الصرف الجمركي في الوقت المناسب لزيادة الإيرادات والقدرة التنافسية، وتجنب العودة إلى تدابير السياسات المشوهة، بما في ذلك ممارسات تعدد سعر صرف العملات، وتقديم الدعم المالي”.
وأعتبرت جورجيفا أن “تعزيز الشفافية وإدارة عمليات الشركات المملوكة للدولة يُعد أمرًا حيويًا للتخفيف من المخاطر المالية وتحقيق المزيد من الإيرادات في الميزانية” وهي إشارة واضحة حسب مراقبين إلى قضية إخضاع الأنشطة الاقتصادية للأجهزة النظامية وعلى رأسها منظومة الصناعات الدفاعية. وشدّدت على ضرورة”اعتماد قانون البنك المركزي في الوقت المناسب” في إشارة إلى شرط ضمان استقلاليته وإنهاء الهيمنة المالية.
ويبقى السؤال ما الذي تعنيه حزمة الاشتراطات الجديدة لصندوق النقد الدولي على الحكومة؟ وما هي تبعاتها على البلاد والعباد؟، هذا ما نرجو أن يكون موضوع زاويتنا المقبلة بإذن الله.