حول فكرة إلغاء تدريس الدين الاسلامي في المدارس الحكومية

0 53
كتبت: رشا عوض
.
هناك أفكار تبدو للوهلة الاولى صحيحة من الناحية المعيارية ، مثل فكرة ان لا يتم تدريس الدين الاسلامي في المدارس الحكومية في السودان وان يترك امر الدين للمساجد التزاما بعلمانية الدولة التي تعني المساواة بين المواطنين ومن مقتضياتها عدم تمييز الاسلام عن اديان اخرى يعتنقها مواطنون سودانيون ولا تدرس في المدارس،
لو سلمنا جدلا ان حكومة علمانية هبطت على السودان من السماء بقدرة قادر ونفذت هذا القرار ، فان النتيجة المنطقية لذلك هي ان الناس سيرسلون ابناءهم او سيذهب هؤلاء الابناء من تلقاء انفسهم الى المساجد وسوف تتكاثر مؤسسات التعليم الديني التي من الراجح بل المؤكد سيسيطر عليها المتطرفون واصحاب الفكر الغارق في الجمود والتقليد ، والاخطر من ذلك سوف تكون هذه المؤسسات في قبضة “الإسلام السياسي” بحكم نفوذه المالي الكبير، وستقدم التعليم الديني مخلوطا بالايدولوجيا الاسلاموية ، وعلى هذا الاساس سيؤدي القرار الى تقوية نفوذ الاسلام السياسي والتطرف والارهاب، وليس نفوذ العلمانية والاعتدال والتسامح الديني.
من يفكرون بهذه الطريقة يجهلون او يتجاهلون ان للدين قيمة جوهرية في حياة السودانيين وبالتالي هناك رغبة فردية وجماعية في حيازة المعرفة العميقة باساسيات الدين وتأمين حضوره في حياة المؤمنين به، إذا لم يشبع التعليم النظامي هذه الرغبة فما اكثر المؤسسات التي ستتصدى لإشباعها بوجبات دسمة ولكنها مسمومة وملغومة!
لذلك يجب ان يكون التفكير في اتجاه تقديم تعليم اسلامي بمناهج تملك الطالب المسلم معرفة حقيقية بالاسلام وتكشف له التعددية في فهم الاسلام والتنوع في الفقه والفكر الاسلامي، تقدم له الحقائق الموضوعية في التاريخ الاسلامي وتملكه القدرة على التمييز بين الدين كعقيدة وقيم وبين ممارسات المسلمين، وترجح نهج الاعتدال والتسامح والانفتاح على نهج التطرف والتعصب والانغلاق، حتى لا يكون الطالب جاهلا تماما بالاسلام مما يجعله صفحة بيضاء يكتب فيها المتطرفون والمتخلفون والإرهابيون عبر فضائياتهم وصفحاتهم في السوشيال ميديا ومدارسهم على الارض كل ما يريدون دون ان يكون قادرا على جدالهم ومناقشتهم والتمييز بين ما هو دين محض وما هو سياسة متخفية ومنتحلة صفة الدين.
الاصلاح المطلوب للنظام التعليمي من وجهة نظري يجب ان يكون في اتجاه اصلاح المناهج وفق رؤية شاملة لاهداف العملية التعليمية، والاصلاح لكل المناهج يجب ان يكون في اتجاه خلق العقلية النقدية القادرة على النقاش والحوار العقلاني. واصلاح السياسات التربوية في اتجاه مراعاة حقوق المواطنة للاقليات فلا يسمح بفرض حصص الدين الاسلامي على طلاب غير مسلمين، والوصول لحل مرضي للاقليات الدينية حول كيفية تدريس اديانها ، وكل ذلك يجب ان يكون تحت اشراف وزارة التربية والتعليم !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.